كشفت الأحداث في شمال لبنان أن تنظيم «فتح الإسلام» جرى إعداده على الخطى نفسها التي سار عليها تنظيم «القاعدة» في العراق. ومن المعروف ان قائد «فتح الإسلام» شاكر العبسي كان زميلاً ومساعداً قريباً جداً من مؤسس «القاعدة» في العراق «أبو مصعب الزرقاوي». وكلاهما محكوم بالإعدام في عمان في قضية اغتيال ديبلوماسي أميركي. وبحسب مجموعة من الخبراء المتخصصين بالحركات الأصولية والارهابية، تشبه مراحل تطور «فتح الإسلام» منذ ظهوره المفاجئ في مخيم نهر البارد قبل سبعة شهور الى حد بعيد طريقة الدخول المفاجئة للحركات الأصولية الى العراق ومن ثم السيطرة على أجزاء منه تحت راية «القاعدة». وبحسب المحللين يمكن رصد أوجه الشبه الآتية: - دخول النواة الأساسية التي شكلت كلاً من التنظيمين الإسلاميين عبر الحدود السورية واستخدامهما مجموعات مسلحة قائمة كأساس أولي لهما. ففي العراق استخدم بعض المجموعات التابعة لحزب البعث كمضيف لأولى مجموعات «الزرقاوي» التي استفادت من أماكن الاختباء والعمل وكميات من أسلحة الجيش العراقي المنحل. أما في لبنان فاستخدم مقاتلو «فتح الاسلام» مراكز «فتح الانتفاضة» وأسلحتها للانطلاق من داخل مخيم نهر البارد حيث لا يتمتع مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية بوجود قوي ومؤثر. كما أن اختيار الاسم كان مدروساً بحيث يوحي للرأي العام بأن التنظيم حركة فلسطينية وفي الوقت نفسه اسلامية أي قريبة من «حماس» و «الجهاد». - عملت المجموعات الاصولية بعد تثبيت أقدامها داخل العراق على استيراد المزيد من المقاتلين العرب والبحث عن مصادر للتمويل سعياً للاستقلال عن مؤسسيها الأساسيين. ولجأت الى عمليات سطو على المصارف ومحال المجوهرات والخطف للحصول على فدية كأسلوب عمل يوفر لها أموالاً لتجنيد المقاتلين وشراء الأسلحة وتمويل العمليات. وكشفت عمليات المداهمة في طرابلس أن مقاتلي «فتح الاسلام» سطوا على أكثر من مصرف خلال الفترة الأخيرة ما يدل على سعيهم الى تحقيق اكتفاء مالي ذاتي تحضيراً لخطوات أخرى مثل شراء المزيد من الأسلحة والمتفجرات وتجنيد المقاتلين من الداخل والخارج. - اعتمد الاصوليون العراقيون على الترويج الاعلامي مقدمين عقيدتهم الجهادية كحل أمثل لمشاكل العراق. واستغلوا الاهتمام الاعلامي الدولي والعربي في العراق لنشر دعوتهم كما استخدموا الانترنت كوسيلة أساسية لبث تقاريرهم ونشراتهم والتواصل مع من كانوا يريدون الانضمام اليهم أو التبرع لهم. كما استغلوا الموضوع الطائفي لنيل تعاطف ومساندة وتوسيع قاعدتهم الشعبية. وفي لبنان عمل عناصر «فتح الاسلام» على تعزيز ظهورهم الاعلامي عبر الأقنية الفضائية اللبنانية. وبدا ذلك واضحاً من الصور الاستعراضية التي سمحوا بالتقاطها لهم وبثها اضافة الى اللقاءات الصحافية التي أجريت مع بعض زعمائهم. كما حاول زعماء التنظيم اللعب على الوتر الطائفي عبر تقديم نفسهم كحماة لحقوق المسلمين السنّة في لبنان. ويشار هنا الى أن تفجيرات عين علق وغيرها من الهجمات التي تتهم «فتح الاسلام» بالتورط فيها، جاءت قبل أوانها الطبيعي لكون المنظمة لم تستكمل خطوات تثبيت موقعها. ولعل ذلك يعود الى أجندة سياسية خاصة ومحدودة الأهداف قائمة بين زعماء التنظيم والجهة الاقليمية الراعية لهم. - وسع المقاتلون الاسلاميون في العراق دائرة انتشارهم عبر استخدام عراقيين وأقربائهم لاستئجار وشراء الشقق السكنية والمخازن لاستخدامها قواعد أو مخابئ أو لتخزين السلاح والمتفجرات. وسهل هذا الأمر عملية نشر خلايا نائمة في مناطق عدة، وتنقل العناصر عبر الحواجز. واعتمد «فتح الاسلام» التكتيك ذاته، بحسب ما كشفت المداهمات في طرابلس ومناطق لبنانية أخرى. - اتصل الاسلاميون في العراق ب «القاعدة»، بعدما ركزوا اسس بنتيهم، عسكرياً ولوجستياً واعلامياً ومالياً وأثبتوا قدراتهم القتالية، وأعلنوا ولاءهم لها وحصلوا منها على الإمداد المالي والبشري والعتاد والسلاح. ويبدو من الدلائل المتوافرة، أن «فتح الاسلام» كان يأمل بأن يتمكن من إعلان ولائه ل «القاعدة» بعد أن يكون أثبت منفعته لها. وفي ضوء هذه الاستنتاجات يشدد المحللون على ضرورة إتمام الجيش اللبناني مهمة استئصال «فتح الاسلام» من جذوره في الأراضي اللبنانية كافة. إذ ان بقاء هذا التنظيم سيبقي امكانية تحول لبنان الى عراق آخر قائمة.