تحذير خطير أطلقه روبرت زوليك, رئيس البنك الدولي, بأن عام2011 سوف يشهد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الغذاء في الشرق الأوسط وإفريقيا, وواكب هذا التحذير دراسة مهمة أعدها الباحث علاء حسب الله عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات الغذائية بالإسكندرية. الدراسة تحذر من ارتفاع أسعار السلع الغذائية في مصر نتيجة الاعتماد علي استيراد معظم الحاصلات الزراعية من الخارج وإهمال القطاع الزراعي وتراجع انتاجيته في مختلف الحاصلات الزراعية, مشيرا إلي ارتفاع أسعار القمح العالمي بعد توقف روسيا عن التصدير وانخفاض تصدير استراليا بعد الفيضانات التي ضربت مساحات واسعة هناك مما أسهم في رفع سعر طن القمح إلي350 دولارا, وقد انتقلت عدوي ارتفاع الأسعار من القمح إلي الأذرة, بسبب الاتجاه العالمي المتزايد لاستخدامه كوقود حيوي خاصة في أمريكا, وهو ما يهدد بزيادة كبيرة في أسعار الأعلاف التي يرتبط بها الإنتاج الحيواني من اللحوم البيضاء والحمراء وهي التي شهدت ارتفاعا مستمرا خلال الفترة الماضية في مصر دون ايجاد حلول واقعية تحد من ذلك الارتفاع الجنوني لأسعارها خاصة اللحوم الحمراء. أما السكر فقد شهدت أسعاره ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الماضية أيضا, ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه خلال العام الحالي نتيجة انخفاض المساحة المزروعة بقصب السكر بنحو2.5% وتراجع كمية الإنتاج المحلي إلي15 مليون ونصف المليون طن بانخفاض قدره6% تقريبا, في وقت ارتفع السعر العالمي للسكر بعد تراجع كميات التصدير من الهند والبرازيل, ولأن السكر يدخل في منتجات كثيرة فإن ارتفاع أسعاره يعني ارتفاع هذه المنتجات بالضرورة وأبرزها مشروب الشاي المفضل لدي المصريين في البيوت وخارجها. وتحذر الدراسة من انهيار محصول الأرز أيضا باعتباره الأكثر استهلاكا في مصر, وبعد أن كان إنتاج الأرز يكفي ويزيد للتصدير انخفضت مساحته إلي مليون و37 ألف فدان بانخفاض قدره22.5% من المساحة و24% من الإنتاج. هذه هي بعض مؤشرات الإنتاج الزراعي السلبية في مصر نتيجة إهمال هذا القطاع الحيوي وتراجع الاهتمام به خلال الفترة الماضية وعدم الحفاظ علي الرقعة الزراعية التي تتعرض للتآكل والضياع يوميا دون أن يحرك أحد ساكنا. مهنة الزراعة أصبحت من المهن الطاردة للفلاحين وبعد أن كان من العار أن يفرط أحد من المواطنين في أرضه أصبحت الآن تجارة الأراضي الزراعية وتقسيمها إلي أراضي بناء من المهن الرائجة, وأصبح الفلاح ينتظر اللحظة التي يتخلص فيها من أرضه لأنها لا توفر الحياة الكريمة واللائقة له ولأولاده, ولأن الحكومة تركته عرضة لتقلبات الأسعار لفترات طويلة, كماأن الحكومة أيضا تشجع علي تدمير الأراضي الزراعية, و هي التي تعطي تراخيص تدمير الأراضي الزراعية وإقامة المولات التجارية عليها, في الكثير من المحافظات. أيضا أهملت الحكومة سياسة استصلاح الأراضي وتركتها لكبار المستثمرين الذين استولوا علي مساحات ضخمة منها, وتركوها دون استصلاح آملا في تسقيعها أكبر فترة ممكنة وبيعها بعد ذلك دون جهد أو عناء, وقد كانت الحكومات السابقة تقوم بخطة متكاملة لاستصلاح الأراضي وهي الخطط التي توقفت الآن بسبب عدم وجود موارد مالية, وكانت أقصد الحكومات السابقة تقوم بتوزيع هذه الأراضي علي شباب الخريجين بواقع خمسة أفدنة لكل شاب, ونجحت هذه التجربة في أغلب أحوالها, ودخلت الأراضي المستصلحة الآن حلبة الإنتاج الزراعي, أما الآن فقد توقفت تلك الخطط, واقتصر الأمر علي كبري الشركات الاستثمارية التي أخذت الأراضي بالملاليم ولا تريد أن تنفق عليها وترفض ضخ استثمارات كافية فيها لكي تستصلحها, ورغم ذلك تخشي الحكومة مواجهة تلك الشركات لأنها فرطت في تلك الأراضي بعقود موثقة يمكن أن تلجأ الشركات من خلالها إلي التحكيم الدولي غير المضمون. قطاع الزراعة والإنتاج الحيواني يحتاج إلي من ينقذه ويقيله من عثراته بالأفعال, ومن خلال خطة محكمة للحفاظ علي ماهو موجود بالإضافة إلي التوسع الرأسي والأفقي المدروس فالزراعة كما الصناعة تماما هما عماد أركان الاقتصاد في أي دولة تريد أن تجد لها مكانا تحت الشمس بعيدا عن التقلبات العالمية, غير المأمونة العواقب, ومهما توافرت الأموال اللازمة للاستيراد, فالاستيراد ليس هو الحل, وإنما هو العلاج الأخير الذي نضطر إليه إذا اقتضت الضرورة ذلك. أما الاستسهال والاكتفاء بالتصريحات فتلك هي المشكلة التي نعاني منها الآن ونخشي نتائجها هذا العام. نقلا عن صحيفة "الاهرام" المصرية