اعتادت وسائل الإعلام الاقتصادية على أن يكون ختام العام مراجعة لأهم أحداثه، وربما الاستفادة منها، وفي المقابل تقوم مؤسسات الاستشارات بوضع توقعاتها للعام الجديد في ضوء مؤشرات العام. وبالنظر للمراجعات والتوقعات الخاصة بالمنطقة العربية يمكن ببعض الجرأة القول إن العام 2007 كان عام “الدولار”، وإن العام 2008 سيكون سنة سعيدة لاقتصادات المنطقة كلها. وعلى الرغم من الأحداث الاقتصادية المتعددة التي شهدتها المنطقة في العام المنصرم، فإن استمرار تراجع قيمة العملة الأمريكية أمام العملات الرئيسية الأخرى كان الحديث الرئيسي. صحيح أن أسعار النفط ارتفعت بنحو خمسين في المائة، إذ بدأت العام حول خمسين دولاراً للبرميل لتنهيه قرب مائة دولار، مما زاد من عائدات دول الخليج والجزائر وليبيا لكن لأن تلك العائدات مقومة بالدولار فلم تكن بعيدة أيضاً عن التأثر بانهيار سعر الورقة الخضراء. ولأن معظم عملات دول المنطقة مرتبطة بالدولار بشكل أو بآخر، فلم تسلم اقتصادات المنطقة من أعباء الضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع كلفة الواردات المقومة بغير الدولار، أي من أوروبا وآسيا. ومع أن القمة الخليجية في نهاية العام لم تتعرض رسمياً وعلنياً على الأقل لموضوع ارتباط العملات الخليجية بالعملة الأمريكية، لكن القضية لم تغب عن أذهان الخليجيين، وأكثر عن اهتمام المغتربين العاملين في بلادهم الذين تتضاءل قيمة تحويلاتهم لذويهم مع كل تراجع في سعر الدولار. وبعيداً عن سلبيات وأزمات العام ،2007 تشير كثير من التحليلات إلى أن العام المقبل، ،2008 سيكون عام نمو كبير في اقتصادات دول المنطقة اجمالاً. وبقراءة سريعة في تقارير وحدة استخبارات الايكونوميست الخاصة بكل دولة من دول المنطقة، يخلص المرء إلى أن نمو الناتج المحلي الاجمالي العام المقبل سيكون فوق خمسة في المائة في المتوسط، مقارنة مع متوسط زاد عن ثلاثة في المائة للعام الجاري. ومقابل نسب نمو لا تتجاوز نصف ذلك في أمريكا وأوروبا واليابان، تكون المنطقة في الوسط بين الاقتصادات الصاعدة كالصين والهند والاقتصادات المتقدمة للدول الصناعية الكبرى. وحسب معلومات الايكونوميست، يتوقع أن يحقق الاقتصاد القطري أعلى نسبة نمو في المنطقة العام المقبل مع دخول مشروعات جديدة لتصدير الغاز حيز العمل. وتشير التقديرات إلى نمو الناتج المحلي الاجمالي لقطر بنسبة 3ر9 في المائة عام 2008. ويأتي بعد قطر مباشرة السودان، الذي يتوقع أن تؤدي الزيادة في إنتاجه النفطي إلى نمو الناتج المحلي الاجمالي له بنسبة 1ر9 في المائة. وبين الدول الثلاث الرئيسية في النمو العام المقبل، تشير أرقام الايكونوميست إلى نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 9ر8 في المائة. وعلى عكس قطر والسودان، لا تشكل الطاقة المكون الأكبر من نمو الناتج المحلي الاجمالي. بل سيكون قطاع الخدمات المحرك الأساسي للنمو في الاقتصاد الإماراتي كما كان الحال في العام 2007. وفي المرتبة الرابعة يأتي الاقتصاد المصري، الذي يتوقع أن ينمو ناتجه المحلي الاجمالي بنسبة 3ر7 في المائة، إذا لم يشهد أي تطورات دراماتيكية. وبالنسبة لمصر، سيكون المحرك الأساسي للنمو انسياب الاستثمارات الخليجية إلى القطاع الخاص والزيادة في العائدات من قطاع السياحة المخطط له التوسع. ويتوقع أن تشهد بقية دول الخليج النفطية وعدد آخر من دول المنطقة نمواً للناتج المحلي الاجمالي في العام 2008 في حدود نسبة 5 في المائة، يغذيه بالأساس ارتفاع الإنفاق الحكومي على مشروعات النسبة الأساسية وغيرها من المشروعات العامة. وعلى سبيل المثال يتوقع أن يتجاوز نمو الناتج المحلي الاجمالي للجزائر وليبيا نسبة 5 في المائة، مع زيادة الإنفاق الحكومي في الجزائر وزيادة انتاج النفط في ليبيا. ولا يقتصر النمو الكبير على الدول النفطية، بل إن دولاً غير نفطية في المنطقة يتوقع أن يشهد اقتصادها نمواً كبيراً أيضاً العام المقبل. فالمغرب سيشهد نمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تزيد على 5 في المائة، مع التوقعات بموسم حصاد جيد مقارنة مع تدهور الموسمين الماضيين. إضافة إلى زيادة الاهتمام الأوروبي بالمغرب كمصدر لواردات أوروبا من منتجاته، وكساحة للشركات الأوروبية الراغبة في تقليل كلفة إنتاجها بنقل عملياتها إليه. كما أن دولاً كالأردن وتونس يتوقع أن ينمو اقتصادها بشكل كبير العام المقبل. وتشير الأرقام والتقديرات إلى احتمال نمو الناتج المحلي الاجمالي الأردني بنسبة 4ر5 في المائة ونمو الناتج المحلي الاجمالي التونسي بنسبة 3ر5 في المائة في العام 2008. وإذا سارت الأمور دون أي مفاجآت كارثية غير متوقعة، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الاقتصادات العربية ستواصل النمو بقوة أيضاً في العام التالي 2009.