تحرير و ترجمة : خالد مجد الدين هل يسعى رؤساء روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان لأنشاء " تكتل اقتصادى جديد" ام يسعون لاحياء الماضى السوفيتى ؟! . . تساؤل راود الكثير من الباحثين والمحللين بعد انتهاء اجتماعات زعماء الدول المستقلة في العاصمة البيلاروسية " منسك" قبل يومين. خاصة وان الاجتماع قد تقرر فيه الغاء الرابطة التى كانت تجمع الجمهوريات السوفيتية سابقا وعرف باسم "المجموعة الاقتصادية الأوراسية"، وضم خمس دول هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان، شهد ايضا الاعلان من قبل زعماء روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان ، لقبولهم انضمام اعضاء جدد في الاتحاد الجديد الذي اسس باسم "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" (الأوروبي الآسيوي) الذى سيحل محل الرابطة ويباشر عمله بدا من 1 يناير المقبل. واليوم اعلنت " ارمنيا" انضمامها الى الاتحاد الجديد، على ان توقع الاتفاقية في يوليو المقبل، بينما كان رؤساء الدول الثلاث" روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان" قد وقعوا اتفاقية إنشاء الاتحاد في 29 مايو الماضي لإطلاق حرية التحرّك وتنقل السلع والخدمات وراس المال والقوى العاملة بين الدول الاعضاء بالاتحاد. وفي نفس يوم تاسيس رابطة الدول المستقلة ولكن بعد 14 عاما، اكد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مخاطبا المجتمعين في مينسك في 10 أكتوبر"علينا الآن أن نلغي الرابطة، لكن لا يجوز إضاعة شيء من تركة المجموعة الاقتصادية الأوراسية".. ومن جانبه قال الرئيس البيلاروسي "الكسندر لوكاشينكو" إن المجموعة الاقتصادية الأوراسية "هي حجر الأساس للاتحاد الأوراسي". بينما أشار رئيس كازاخستان "نور سلطان نزارباييف" أن هناك نحو 151 من الاتفاقات الموقعة خلال مدة عمل رابطة الدول المستقلة ، وقد تقرر بقاء 87 اتفاقية نافذة العمل فى اطار الاتحاد الاقتصادى الاوراسى الجديد. والاتحاد الاوراسى يخلق من الدول الاعضاء سوق موحدة واحدة والتى حتى الان تضم رسميا نحو 171 مليون شخص، وباجمالى ناتج محلي يقدر بنحو 3 ترليون دولار، والاجتماع المقبل للمجلس الذي سيعقد في موسكو في ديسمبر سيكون لمناقشة الاستعدادات النهائية لإطلاق EEU رسميا. مشروع بوتين الجيوسياسي يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انه بعد نضوج الاتحاد الجمركي الحالي الذى تقاسمته الدول الثلاث المؤسسة، اصبح من الضرورى الاستفادة من هذا الجهد و ضم اعضاء جدد له، لإعادة إدماجهم لملأ الفضاء الذى خلفه الاتحاد السوفيتي منذ حله فى التسعينيات من القرن العشرين، والاتحاد الاوراسى EEU هو المستقبل لاقرار هذا الامر. الا ان " كاسى مايكل Casey Michel " الخبير بشئون مرحلة مابعد الاتحاد السوفيتى فى معهد هاريمان بجامعة كولومبياالامريكية Columbia's Harriman Institute ، يرى ان مسار الاتحاد و الارقام والرؤى تجعل التوقعات أكثر قتامة لمستقبل الاتحاد الاوراسى حتى الآن، فهو بعيدا جدا عن تحقيق الهيمنة الاقتصادية التى يرغب بها الرئيس "نزارباييف" أو الإمبراطورية الجديدة التى يتصورها ويقوم عليها مشروع بوتين. ويضيف "كاسى مايكل " انه و بدلا من تقديم الاتحاد الاقتصادى الجديد "كقطب" جيوسياسي أو "وصلة" بين أوروبا وآسيا، كما ادعى بوتين في عام 2011، يبدو الآن ان الاتحاد يتحول إلى تجمع آخر اقرب لصورة رابطة "المجموعة الاقتصادية الأوراسية" الذى تم الغائه ، و بعيد كل البعد عن اقتراح الاتحاد الأصلي ، فهناك تباعد بين مفاهيم كازاخستان و روسيا لهذا الاتحاد ،حيث يتمنى بوتين اتحاد له برلمان مشترك، جواز سفر مشترك،عملة موحدة .. بينما يراه الاخرون اتحاد اقتصادي بحت. حرص "نازار باييف" على السيادة الوطنية كازاخستان ترى [الاتحاد الأوراسي] وسيلة عملية للحصول على الفوائد الاقتصادية. ولطالما كانت كازاخستان عائق امام محاولات روسيا لادماج اعضاء رابطة الدول المستقلة فى كيان سياسى اقتصادى، وتجادل دائما بانها لا تتدخل فيما تقوم به موسكو، ولا تريد ان يملى عليها احد ما تفعله بالمقابل .. لذا حاولت كازاخستان خلال كل اتفاقاتها و عضويتها بالاتحادات الاقليمية مع روسيا ، زيادة التركيز على الحفاظ على السيادة الوطنية، وهو الامر الذى ازداد صلابة بعد قضم روسيا لشبه جزيرة القرم من اوكرانيا .. خاصة وان العرق الروسى لا يزال يشكل ما يقرب من ربع سكان كازاخستان، وهناك تاريخ واضح من محاولات انفصالية في شمال كازاخستان. وليس صدفة أنه في أعقاب ضم القرم، قامت كازاخستان على حد سواء بتهفيف اجراءات المواطنة امام الاعراق الكازاخ، وبدات فى مناقشة زيادة العقوبات على أولئك الذين يدعون للانفصال. مستقبل الاتحاد الاوراسى يرى البنك الدولى ان الاتحاد الاقليمى السابق بين دول المنطقة الخمس السابق ، فشل في تقديم منافع اقتصادية قابلة للحياة للدول الاعضاء ، ولا توجد فائدة طويلة الأجل للمشاركين في الاتحاد الجديد، وتتفق ايضا تقارير من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية مع هذا الراى. بل ان نائب وزير المالية الروسي " ايتول كاين كورمانوفا Aitolkyn Kourmanova" قال ان الإعانات الروسية للدول الاعضاء فى رابطة الدول المستقلة كانت قد تصل إلى 30 مليار دولار سنويا " وانه من دون هذا الدعم المباشر، فإن بلدان آسيا الوسطى، لن ترى أي ميزة هامة للاندماج مع الاتحاد". ان مزيج المخاوف السيادية – الاقتصادية التى تهم كازاخستان، وقيرغيزستان، وهى عضو محتمل في المستقبل، ادت لمحاولات عديدة في اتجاه تباطؤ عملية الانضمام. وبالمثل، أرمينيا، على الرغم من اعتمادها الاقتصادي على موسكو، الا ان مسالة اقليم ناجورنو كارباخ تؤثر على وجودها بالاتحاد. اضافة الى طبيعة الاقتصاد الروسى المتعثر والذى يعانى حاليا من اثار العقوبات الغربيةالامريكية بسب ازمة اوكرانيا، ولا ننسى ايضا المطامع الصينية فى اسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية التى تلزم الاقتصاد الصينى. لذا يرى المحللون ان كل هذه المكونات والعوامل ستكون أكثر من كافية لتهدئة التوقعات حول إمكانيات الاتحاد الاوراسى الجديد وحول مستقبله و تاثيره كقوة ضمن القوى والتكتلات سواء الاقتصادية او السياسية الكبرى .