أنهى المصلون صلاتهم في خشوع, وجلس بعضهم يسبح وانهمك البعض الآخر في مصافحة من اعتاد مصافحة وجوههم في صلاة الفجر, خرج مولانا مسرعا من باب المسجد بشكل لا يتناسب مع وقاره, فقد حسم الأمر وقرر بعد طول تفكير أن يفعل ما كان يفكر فيه طيلة الأسابيع الأخيرة, لقد قرر أن يتوجه أخيرا إلى القصر. صعد مولانا إلى سيارته الخاصة وأمر مرافقه أن يتصل بالرئيس على الرقم الخاص به, وبعد لحظات قليلة, جاء الصوت على الطرف الآخر: "أهلا مولانا, كنت سأتصل هاتفيا بفضيلتك لكنى خشيت الإزعاج"....
في هدوء قال مولانا: "حسنا لا بأس, لقد قررت أن أزورك اليوم, أنا في الطريق إلى مكتبك بالقصر الرئاسي".
رد صاحبنا وهو يصطنع الفرحة : "هذا خبر سعيد, تحل أهلا وتنزل سهلا, مرحبا بك في دارك سيدي".
وبعد ما أغلق الهاتف حتى صاح في مرافقه أن يتصل بالقصر ويبلغهم أن يستعدوا ويتجهزوا فمولانا قادم في الطريق.
كانت هذه الجملة كفيلة لكي تدب الحركة والنشاط في كل أرجاء القصر, ولكن أحدهم لم يكن متحمسا كغيره انه رئيس ديوان الرئيس الذي كان يتحفظ على توقيت الزيارة ومغزاها.
لم يكن الرئيس قد وصل بعد في موكب الحراسة, وكان الرجل يدرك أن الوقت ليس في صالحه, فطلب من سكرتارية الرئيس أن تتصل به على هاتف السيارة الرئاسية.
يبدو أن الرئيس لم يكن قد نزل من بيته بعد, فعاود الاتصال به على هاتف منزله قبل أن يطلب ممن رد عليه أن يتحدث إلى الرئيس لأمر هام لا يحتمل التأجيل أو انتظار قدومه إلى القصر.
كان الرئيس يستكمل ارتداء ملابسه وهو يتناول طعامه فهو على عجلة من أمره لكي يكون في شرف انتظار مولانا عندما يصل إلى القصر الرئاسي. " خير!!", ماذا حدث؟؟"
رد الرئيس باقتضاب كأنه يؤنب رئيس ديوانه على هذا الاتصال غير المتوقع أو المطلوب في هذا التوقيت.
فرد المتصل والكلمات تتثاقل في الخروج على لسانه " صباح الخير يا أفندم, سيادتك كانت أود أن أقول.........."
قاطعه الرئيس في حدة:" قل ماذا تريد فورا فليس لدى وقت, مولانا في الطريق وأنا على عجلة من أمري, ألا تفهم!!"....
"حسنا سيدي الرئيس، أعلم , فقط أردت أن أسال هل سيتم إبلاغ ممثلي وسائل الإعلام والصحافة المحلية والعالمية المعتمدين لدينا بزيارة مولانا؟ وهل سيدخل من الباب الرئيسي للقصر؟
كان صوت الرئيس هذه المرة ينبئ بغضبه , ماذا تقول: انه مولانا , ألا تفهم!!, هل تعي من هو الضيف؟؟؟ , هل تريد لمولانا أن يدخل من الباب الخلفي مثلا؟ ما هذه الأسئلة السخيفة؟؟؟؟
-رئيس الديوان:" سيدي, أنت الآن الرجل الأول في البلاد, وشعبيتك تعرضت لهزة كبيرة بسبب كم القرارات التي اتخذتها ثم تراجعت عنها, والشارع كما تعلم ليس معنا تماما باستثناء الأهل والعشيرة.
-الرئيس:وماذا بعد؟؟
-رئيس الديوان: "لا نريد أن يقول الإعلام المناوئ لنا أن الحاكم الفعلي للبلاد يتولى منصبه , والصحافة ستتخذها فرصة ضدنا, وسيقولون ما يقوله رجل الشارع العادي".....
-الرئيس: وماذا يقول رجل الشارع أكثر مما قال؟؟!!
-رئيس الديوان: "سيادتك تعلم حساسية موقفنا, وأنا أتحدث كمخلص يهمه أن لا تهتز صورتك لدى الرأي العام خاصة في هذه المرحلة المؤثرة والحساسة".....
-الرئيس: "لا تقلق ولكن لأبد أن يكون الاستقبال بشكل يليق بمكانة مولانا, فسيقضى بعض الوقت في مكتبي نتحدث ثم ينصرف, هذه هي كل الحكاية, فلا داعي للتضخيم, ابلغوا الإعلام , لا بأس, مع السلامة"....
هبط الرئيس درجات السلم في حراسة مرافقيه قبل أن يصعد إلى سيارته الرئاسية, إيذانا بانطلاق الموكب, كانت ملامح الرئيس تشى بأمر غير عادى, خلافا لعادته لم يداعب حراسه ولا سائقه.
-رئيس الحرس الذي يجلس بجوار السائق:
"سيدي الرئيس, ماذا حدث؟ يبدو أن مزاجك متعكرا بعض الشيء"....
-الرئيس: "لا عادى, لماذا تقول ذلك؟؟!! ".....
-رئيس الحرس: "حضرتك اليوم تبدو واجما بعض الشيء؟ هل هناك مايجب أن أعلمه ؟؟!!".....
-الرئيس "لا شكرا" .
في المقعد الخلفي جلس الرئيس واضعا يده على خده تاركا العنان لأفكاره في صمت, كانت عيناه تتجول وسط الموكب الرئاسي, لكن ذهنه كان منشغلا بمسألة حضور مولانا.
وصل الموكب أخيرا إلى القصر, وما هى إلا لحظات حتى أطلت من بعيد سيارة مولانا, وقف الرئيس مرتبكا بعض الشيء في انتظار ضيفه المهم.
فهبط الضيف من سيارته بهدوء، وصافح الرئيس، فهم باحتضانه كعادته, ولكن حركة جسد مولانا أبلغت الرئيس رسالة محتواها أن مولانا غير سعيد".
تجاوز الرئيس الموقف قبل أن يقود مولانا عبر باحة القصر الرئاسي بعد استعراض طابور حرس الشرف, إلى مكتبه وسط الحراسات المرافقة لهما.
-وقف مولانا يتأمل المكان وقدميه تتمهل على السجادة الحمراء التي بسطت بعناية, : "أهذا هو القصر إذن؟؟!! "...
-الرئيس:" نعم, فضيلتك, وهذا يوم سعيد للغاية, تشريفك لنا وزيارتك أمر مفرح وبشرة خير"....
-مولانا: أراك تتحدث وكأنني ضيف؟؟؟
-الرئيس : "عفوا مولانا, فضيلتك صاحب الأمر والنهى, أنا مجرد خادم مطيع, كلى في خدمة مولانا والجماعة"....
-مولانا:
"لا بأس, سنرى, أين هو مكتبك؟؟"...
أشار الرئيس إلى الممر بيده مفسحا الطريق لكي يتقدم مولانا الذي أبتسم ابتسامة مقتضبة قبل أن يواصل سيره في هدوء بدون تعجل.
كانت عيون مولانا تتجول في كل أرجاء القصر تستكشفه, وتسبر أغواره بدون كلمات.
فجأة تسمر مولانا في مكانه: "أين كاميرات التلفزيون؟ وأين المصورين؟, هذه ليست زيارة سرية, يجب أن يفرح الناس بتواجدي هنا "....
-الرئيس مرتبكا: طبعا من دون شك, قالها وهو يبحث بعينيه عن مدير مكتبه ورئيس ديوانه, قبل أن يرى المصورين وهم يهرولون في اتجاهه حيث يقف خلف مولانا.
ابتسم مولانا ابتسامة عريضة في مواجهة كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين, قال باقتضاب للرئيس: أنها لحظة تاريخية, أليس كذلك؟؟!! "...
-قال الرئيس:" طبعا , فضيلتك من دون شك"....
-مولانا: "طوال السنوات الثمانين من عمر الجماعة, لم يكن من تعاقبوا على رئاستها يتصورون أن يأتي هذا اليوم التاريخي, نحن أخيرا هنا " في القصر" لا كضيوف ولكن كأصحاب مكان وسيادة"....
-الرئيس: "التاريخ سيذكر لفضيلتك هذا الانجاز, ما كانت لأتواجد هنا لولا تأييدكم ومؤازرتكم"...
-مولانا: "هل تعلم ماذا يقول عنى الإعلام المضلل؟؟"....
-الرئيس: "مع الأسف سيدي أعلم, تصلني تقارير يومية عما يقولون وكله أفك وحديث لا يليق"....
-الرئيس : "في هذه النقطة فهم محقين تماما سيدي, أنا خادمكم المطيع"......
-مولانا: "أعلم أنك لا زلت تحافظ على بيعتك لي , لقد أضطررنا إلى أن نقول للناس وقت انتخابات الرئاسة عكس ذلك لكي يتم لك الأمر, لكن ثقتنا بك لازالت قائمة"....
-الرئيس وهو يأخذ بيد مولانا إلى داخل المكتب الرئاسي: "أضع نفسي وعائلتي في خدمتكم, أنتم أصحاب الفضل والأمر"......
أشار الرئيس بيده إلى الكرسي خلف المكتب قائلا: تفضل هذا هو مكانك!!!
-مولانا: "ولا تجد غضاضة في أن أجلس عليه مكانك؟؟!!"....
-الرئيس: "لا بالطبع , فضيلتك تعلم مدى اخلاصى لك وللجماعة"...
-مولانا ضاحكا: "حسنا فسأجلس عليه فقط للتجربة".....
استدار مولانا ليأخذ طريقه إلى كرسي الرئيس ، بينما كل المرافقين لهما يتحلقون لمشاهدة هذه اللحظة قبل أن يأمرهم الرئيس بالانصراف وغلق الباب.
وجلس مولانا بهدوء على الكرسي: ووضع يديه على سطح المكتب, وقلب الأوراق الموضوعة عليه, وتساءل قائلا: ما كل هذه التقارير؟؟ ....
-الرئيس: "هذه تقارير يرسلها كبار مسئولي الدولة إلى يوميا , بعضها أمنى وبعضها أقتصادى".
-مولانا مهمهما: "الأمن؟؟؟ لقد عانينا منهم كثيرا كما تعلم"....
-الرئيس :"لقد انتهى هذا العهد إلى الأبد , فهم الآن يعملون إلى جانبنا"....
-مولانا: "لا تأمن مكرهم, فهم مضطرين للتعامل معنا ولكن ولائهم ليس لنا , فأنتبه وكن حذرا من دسائسهم.
قال مولانا هذه الجملة وهو يقرأ تقريرا بعنوان "سرى جدا" يحمل توقيع "رئيس جهاز المخابرات العامة"...
-الرئيس: "شكرا على النصيحة, كل توجيهات فضيلتك تعليمات".....
-مولانا وهو يمسك بيديه أطراف الكرسي: "شكرا لك, تعلم أننا بذلنا مجهودا كبيرا لكي تصل إلى هذا الكرسي"...
-الرئيس :"نعم ، ولا ينكر المعروف إلا جاحد, فضيلتك".....
بعد قليل رن جرس الهاتف على مكتب الرئيس, وبحركة لا إرادية هم الرئيس بأن يرد على الهاتف لكن يد مولانا سبقته وهو يقول: هل تمانع لو تلقيت الاتصال؟؟.
لم ينتظر مولانا موافقة الرئيس، بل أخذ الهاتف قائلا: "السلام عليكم" "أهلا"
-رد المتصل:"فخامة الرئيس, مكتب الرئيس الأمريكي "بارك أوباما" يسعى لتدبير موعد لاتصال هاتفي, ماذا أرد؟؟"....
-مولانا: "أنا لست الرئيس, انتظر هاهو"....
-الرئيس متلقطا السماعة من يد مولانا في توتر : "نعم ماذا تريد؟؟؟"
كرر عامل الهاتف حديثه ،فقال الرئيس ابلغهم أنى أنتظره بعد ساعتين من الآن, للتو لا أستطيع التحدث فانا مشغول في اجتماع هام للغاية.
وضع الرئيس الهاتف وهو ينظر إلى مولانا: "معذرة فضيلتك فتلك أعباء المنصب".
-مولانا:"أي منصب؟؟"....
-الرئيس:"منصب رئيس الجمهورية"...
-مولانا: "وهل تظن أنك رئيسي؟؟!!"...
-الرئيس: "عفوا مولانا لك الفضل والأمر, ولا يفتى ومالك في المدينة"...
أشار مولانا لمحدثه كي يجلس, انبسطت أسارير الرئيس وقال: "الآن فقط أعلم أنك لست راضيا عنى.
-مولانا:" ولما سأغضب؟ فهل فعلت مايغضبنى؟".
-الرئيس : " كلا, فقط هناك......."
-مولانا (مقاطعا) : "أعرف ماذا تريد أن تقول؟ لكن العبيط شريكك".
-الرئيس:
"لم أقل شيئا , لكن تصرفاته وتصريحاته في الفترة الأخيرة باتت تمثل إحراجا لى لا يخفى على فضيلتكم"....
-مولانا:" وأنت أيضا, على كل عليك أن تعلن تعيينه نائبا لك ليساعدك , لا تنسى أنك كنت بديله وأنه هو الأصل"....
أرتبك الرئيس واحمر وجهه وهو يمد يده ليمسح العاب المتساقط من فمه, أخرج منديلا, وبينما الصمت يسود المكان!!!!!!!
-تجاهل مولانا وضع الرئيس المرتبك,قال في حدة:
"لا تنسى من أنت ؟ومن نحن؟"..
-الرئيس : "لم أنسى مطلقا, وأدين لكم بالفضل .
-مولانا : من الجيد أن تتذكر من حين لآخر أننا صنعناك وأننا سنحطمك متى شئنا".
وقف الرئيس معتدلا وعيناه تجاهد الدموع, اقترب من حيث مولانا, هبط بجسمه وأمسك بيديه وقبلها, لم يحرك مولانا يده وأبقها لكى يتمتع الرئيس بتواضعه في حضوره.
-قال مولانا وهو يربت على رأس الرئيس: "لا بأس, لا تبكى, سنحافظ عليك وستبقى رئيسا لكن لاتنسى من أنت ومن نحن, تعلم أنك هنا بفضلنا"....
فجأة طرق أحدهم باب مكتب الرئيس مستأذنا في الدخول, على عجل اعتدل الرئيس مجددا قائلا ينفتح الباب ويدخل مدير مكتبه وعلامات الذهول والارتباك تبدو على قسمات وجهه.
-الرئيس:"خيرا ..ماذا هناك؟؟"....
-خبر مؤسف سيدي, لقد أبلغونا أنه تم حرق مكتب مولانا في أعلى الجبل للتو, بإمكانك أن تشاهد الحريق مشتعلا على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون.
أمسك مدير مكتب الرئيس بالريموت كنترول وأدار الجهاز, فيما كان مذيع التليفزيون يقول بصوت متهدج:"لقد أقدم عدد من المأجورين على حرق مكتب مولانا, لقد أضرموا فيه النار, بعدما عبثوا بمحتوياته وسرقوا كل أوراق مولانا الخاصة.
-الرئيس موجها حديثه لمدير مكتبه: "أطلب وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطني ورئيس المخابرات حالا على الهاتف، ما هذا العبث؟؟"...
خرج الرجل مسرعا لينفذ أوامر الرئيس, بعدما أغلق الباب.
كان قلقا للغاية من رد فعل مولانا على ما حدث, قال وهو يتصنع الحزن: " سأنتقم يامولانا، وما حدث لن يمر بسهولة"....
-مولانا ضاحكا:"لماذا ستنتقم؟, ومن من؟؟"
-أرتبك الرئيس مجددا وتلعثم وهو يقول:"من هؤلاء الكفار الجاحدين, الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة".
كرر مولانا الضحك لكن هذه المرة بصوت مرتفع: "لا بأس, لقد اشعلوا النار فى مكتبي,كنت أعلم مسبقا بنواياهم, لكنني الآن في مكتبي الفعلي, أليس كذلك؟!!!!!!".