لتقصيرها في حق أسرتها.. ليلى علوي تبكي أمام الجمهور في مهرجان الإسكندرية السينيمائي الدولي    من أصل 18 ألف شاحنة ..الاحتلال أدخل إلى غزة 10% فقط من الشاحنات خلال سبتمبر    حقيقة رحيل محمد عواد عن الزمالك في الانتقالات الشتوية    العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    24 تريليون دولار قيمة اقتصاد المحيطات.. وارتفاع حموضة المحيط سابع اختراق في حدود الطبيعة وتهدد الأنواع البحرية    وزارة البيئة: عقوبات رادعة تصل إلى مليون جنيه لحرق المخلفات    بسبب وقائع شغب.. محافظ القليوبية يستبعد قيادات تعليمية بمدارس قليوب وميت حلفا    محمود كامل يعلن انضمامه لاعتصام صحفيي "الوفد" السبت المقبل: دعم الزملاء واجب نقابي وأخلاقي    بوتين: دول الناتو فى حالة حرب مع روسيا ولم تعد تخفى ذلك    شرطة مانشستر: المهاجم مواطن بريطاني من أصل سوري    رقم سلبي يلاحق مدرب نوتنجهام فورست بعد الخسارة الأوروبية    موهبة مانشستر يونايتد تثير اهتمام ريال مدريد    وزارة العدل السورية تنفي صدور أحكام إعدام بحق مفتي سابق ومسؤولين في عهد الأسد    تركيا.. احتجاجات واسعة تندد باقتحام الاحتلال الصهيوني سفن "أسطول الصمود"    الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أستون فيلا يقهر فينورد على ملعبه في الدوري الأوروبي    شقيق عمرو زكي: اللاعب بخير وصحة جيدة.. ولا أعرف لماذا يرتبط اسمه بالمرض    رحلة تحولت إلى مأتم.. وفاة نجل طبيب وإصابة أسرته فى حادث بالطريق الإقليمى    جرعة مخدرات وراء مصرع سيدة داخل مسكنها فى العمرانية    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    ضبط عاطل وشقيقه بتهمة حيازة مواد مخدرة للاتجار بالهرم    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    تموين مطروح تضبط 6.5 طن سولار وسلع غذائية قبل بيعها في السوق السوداء    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خسيت 60 كيلو.. أبرز تصريحات عبد الله نجل غادة عادل ومجدي الهوارى (إنفوجراف)    أسامة كمال: الإخوان "عايزينها تولع" ويرغبون فى رفض حماس لخطة ترامب لوقف حرب غزة    ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة..صور    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حققت أهم وأحلى حاجة مع محمد رمضان    الفنانة شيرين تكشف تفاصيل إصابة قدمها وتجربة الألم أثناء تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد يفوز بلقب شخصية العالم القرآنية بجائزة ليبيا الدولية    عالم بالأوقاف: الوطنية الصادقة لا تنفصل عن الدين.. وعبارة الغزالي تصلح شعاراً لعصرنا    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    السوشيال ميديا بكفر الشيخ تتحول لساحة نزال شرسة قبيل انتخابات النواب    موقف زيزو من مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية في الدوري المصري    رئيس جامعة الإسكندرية يسلم 4 نواب وعمداء جدد القرارات الجمهورية بتعيينهم (صور)    تفاصيل مسلسل «درش» ل مصطفى شعبان.. رمضان 2026    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    السفير التركي يفتتح الدورة 78 من "كايرو فاشون آند تكس" بمشاركة 650 شركة مصرية وأجنبية    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة في دمنهور    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرد حكماً (3)‏
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 07 - 2010

سافر سحلول إلى منتجع شخلول وهو المكان المفضل لدى الزعيم حيث يقضى فيه جل وقته‎ بعيدا عن صخب عاصمة المملكة وضجيجها، فضلا عن تلوث هوائها ومائها وطرقاتها.. قبل‎ الموعد المحدد كان الوزير سحلول بالقرب من القط الزعيم فى انتظار أن يأذن له، وما‎ هى إلا لحظات حتى جاءه من يخبره أن الزعيم مستعد للقائه‎..
اقترب الوزير من الزعيم فوجده يتمرغ بجسده المكتنز وكرشه المنتفخ ورقبته الغليظة‎ على رمال الشاطئ الناعمة، مستمتعا بالشمس الدافئة والهواء العليل والمناظر الخلابة‎ التى يحرص على مشاهدتها لعلها تعيده إلى ذكريات الأيام الخوالى.. حين أحس الزعيم أن‎ سحلول واقف عند قدميه توقف عن التمرغ وعاونه سحلول على الجلوس.. جثا سحلول على‎ ركبتيه وأخذ يده وانحنى يمطرها بوابل من القبلات‎..
سحب الزعيم يده وقال: كفاك.. كفاك يا سحلول.. اجلس هنا واصغ إلىّ جيدا.. سحلول‎: سمعا وطاعة يا مولاى.. أنا وجميع أفراد العسس من ورائى نريد الاطمئنان على صحة‎ جلالتكم.. الزعيم فى صوت واه: أنا بخير.. اطمئن اطمئن.. عمر الشقى بقى، أنسيت أننا‎ بسبعة أرواح؟.. سحلول: لقد لاحظ الجميع، ومنهم خادمك الأمين، أنكم تستردون عافيتكم‎ مع السفر، فهل هذا هو السبب فى كثرة أسفارك يا مولاى؟‏‎..
ابتسم الزعيم وقال: هذه شائعات يا سحلول ولا تصدق كل ما تسمع أو تقرأ، فالسفر‎ كما يقولون قطعة من العذاب، وليتنى أسافر للسياحة أو التمتع أو البغددة، أنا أسافر‎ فى الحقيقة للتسول من أجلكم، من أجل إطعام شعبى الجائع الفقير، ونغنغة وزرائى‎ وأعوانى وأتباعى الأثرياء المتخمين.. سحلول: أنا على يقين من ذلك، لكن اغفرلى فضولى‎ يا مولاى.. هل كان لقاء جلالتكم مع كلاب الشمال مثمرا؟‎..
الزعيم: أنت تعلم يا سحلول أنهم لايختلفون كثيرا عن الذئاب، فهم فصيلة واحدة،‎ بخلافنا، أما نحن فننتمى لفصيلة السباع، والعداء كما هو معروف بين الذئاب والسباع‎ قديم.. لذا لا يوجد عمار بيننا.. سحلول: قد كان ذلك فيما مضى، أما الآن فالوضع‎ مختلف يا مولاى.. ثم أردف قائلا: وما الذى يمنعنا يا مولاى من استعادة انتمائنا؟‎.. الزعيم: فى هذه الحالة لن يبقى عموم القطط على أى واحد منا.. هل فهمت‎ ياسحلول؟‎..‎
‎ سحلول: نعم نعم يا مولاى.. الزعيم: هل قرأت قصة أديبنا الراحل حسان «القط أصله‎ أسد»؟.. سحلول: كلا يا مولاى، لقد كنت صغيرا أيامها.. لكن بسم الله ما شاء الله‎.. فخامتكم موسوعة ثقافية هائلة.. الزعيم: الحمد لله أن شعبنا لا يقرأ ياسحلول‎.. سحلول: أو ليس هذا هو المراد يا مولاى؟ لقد علمونا أن الشعب الجاهل أسلس قيادا من‎ الشعب المثقف‎..
الزعيم: هذا صحيح ياسحلول، لكن وجود ثقافة سطحية تافهة لا يضر، بل ينفع، أقصد‎ ينفعنا، خاصة أن العبء عليكم كبير، وأنا أريد أن أخفف عنكم.. لذا منذ أيام وأنا‎ أفكر فى إنشاء وزارة مهمتها توليد أفكار عبيطة وساذجة ومتخلفة يثرثر فيها الشعب‎ وتلهيه عن التحدث فى الموضوعات السمجة والسخيفة التى تقلقنا.. لابد أن نملأ عقول‎ الشعب بشىء.. أنا أريد شعبا هزليا عابثا لاهيا، لا يفكر أو يحلم أو يتخيل، شعبا‎ فاقد الوعى والذاكرة يعيش يومه فقط‎..
هل تعرف ياسحلول، أتمنى أن يأتى اليوم الذى أرى فيه مخازن للأفكار التافهة‎ منتشرة فى كل مكان من مملكتى.. سحلول: لاداعى يا مولاى، فأى ثقافة يمكن أن تفتح‎ علينا بابا لا نستطيع سده.. الزعيم: ليس المهم ياسحلول أن تقرأ أو لا تقرأ، المهم‎ هو ماذا تقرأ.. أنا عموما مازلت أفكر فى الأمر وربما أطرحه للمناقشة فى جلسة ضيقة‎ مع بعض وزرائى.. لا تنس ياسحلول أن الدور الذى تقوم به كل وسائل الإشغال والإلهاء‎ كالأغانى المصورة الساقطة، ودورى الكرة الهزلى، والمسلسلات العبيطة، وبرامج‎ المكلمخانة المتخلفة، وما أشبه، لم تعد كافية.. نحن الآن أمام سماوات مفتوحة، وأصبح‎ كل شىء متاحا ومباحا، وما كان مخفيا بالأمس بات اليوم مكشوفا ومفضوحا‎..
الرشاوى والعمولات والاختلاسات والمتاجرة بالأراضى والعقارات والحسابات فى‎ البنوك الأجنبية.. إلخ إلخ، أصبحت معروفة لكل ذى عينين.. ياسحلول لقد صارت أمعاؤنا‎ وأحشاؤنا على قارعة الطريق.. سحلول: هون عليك يا مولاى فكل بلاد العالم بها فساد‎.. الزعيم مقاطعا: لكن فسادنا مستشر كالسرطان فى كل أجهزة المملكة، من قمة رأسها إلى‎ أظافر يديها ورجليها.. سحلول: واضح أنك غير راض عن عملنا يا مولاى، لكن ثق أننا‎ لاندخر وسعا فى بذل أقصى ما نستطيع.. الزعيم: كيف وسيرتنا أصبحت على كل لسان؟‎!
سحلول: لقد اتسع الخرق على الراتق يا مولاى، ولابد من سياسة أخرى.. الزعيم: قل‎ لى ماذا أصنع؟.. سحلول: أرى يا مولاى أن تشكل لجنة على مستوى عال من الوزراء بهلول‎ وشملول ومسلول ومتوول لوضع خطة شعارها فى هذه المرحلة «الفلترة».. الزعيم: أفصح عما‎ تفكر فيه؟.. سحلول: أقصد يا مولاى التحكم فيما يشاهده أو يسمعه أو يتكلم به عموم‎ القطط، ومن يتجاوز أريناه النجوم فى عز الظهيرة.. الزعيم: وهل يمكننا ذلك؟.. سحلول‎: نعم يا مولاى ونتائجه مضمونة، وسوف تجد أفكارا شيطانية أخرى عند هؤلاء الوزراء‎.. لذا أرجو أن تعجل بدعوتهم يا مولاى.. الزعيم: سوف أضع ذلك فى جدول أعمالى‎.‎
‎■ ■ ■‎
أخذ الزعيم رشفة من اللبن الحليب الذى أحضر إليه، سرح ببصره إلى الأفق الممتد‎ أمامه، ثم التفت إلى سحلول وقال: المسألة الثانية المهمة التى أريد أن أتحدث معك‎ فيها اليوم هى انتخابات مجلس القطط القادمة.. رأيى أن كل الشواهد العالمية‎ والإقليمية، إضافة إلى الظروف الداخلية تقول إن هذه الانتخابات لن تكون كسابقتها‎.. سحلول: مفهوم طبعا يا مولاى.. الزعيم: فى المرة الماضية، ضغط الذئاب علينا،‎ وأرغمونا على منح شعبنا شيئا من البحبحة مع إجراء انتخابات ربع نزيهة‎..
لقد كان الأمر بالنسبة لنا واضحا وهو أن الذئاب يريدون أن يقنعونا بأن استبدادنا‎ وفسادنا هو المسؤول عن إفراز عناصر الإرهاب التى ارتكبت الأحداث عندهم، وذلك بهدف‎ التغطية على السبب الحقيقى وهو ما يرتكبه هؤلاء الذئاب وأحبابهم الخنازيرمن جرائم‎ فى حق شعوبنا الضعيفة.. حذرناهم من أن ذلك قد يؤدى إلى فوز قبيلة السلوان، هنا وعند‎ الجيران، وهو ما ينعكس سلبا على خططهم ومصالحهم، فلم يصدقونا.. لكن ماذا تصنع؟ لم‎ يكن أمامنا إلا أن ننصاع لأوامرهم‎..
غير أن الخنازير سرعان ما استغاثوا بهم حين رأوا أخطارا محدقة بهم، وطلبوا إليهم‎ أن نقلب ظهر المجن حتى لاتسقط المملكة فى هاوية الضياع.. الأدهى من ذلك أن قبيلة‎ الحكام عندنا نسيت نفسها، أصرت على أن تمارس دورها بزعم أن هذا هو حقها، وأن سمعتها‎ لا تقبل ما نفعله.. طبعا لم يكن هذا مقبولا ولا معقولا من قبلنا، وإلا تم سحب‎ البساط من تحت أقدامنا وانتهى أمرنا.. سحلول: لذلك يا مولاى مانالهم من الأذى‎ والبهدلة على أيدينا كان جزاء وفاقا، وأظن أنهم استوعبوا الدرس تماما.. الزعيم: ليس‎ بعد ياسحلول‎..
لقد علمتنا الأيام ألا نأمن لهم، خاصة أن فيهم قططا مازالت تستشعر انتماءها‎ لفصيلة السباع.. هل نسيت المذبحة التى حلت بهم على يد شيخنا الزعيم كاسر فى نهاية‎ الستينيات من القرن الماضى؟.. سحلول: ومن ينساها يا مولاى.. لقد كانت، مع الفارق‎ طبعا، كمذبحة المماليك التى دبرها وخطط لها عمنا وتاج رؤوسنا جميعا الزعيم ثعلبان‎ باشا الكبير.. الزعيم: مع ذلك فقد نهضوا مرة ثانية.. وثالثة.. وربما ينهضون مرة‎ رابعة أيضا.. لذا خذ حذرك منهم ياسحلول.. لا تدعهم يفلتوا من قبضتك.. سحلول: سمعا‎ وطاعة يا مولاى.. الزعيم: هل استدعيت ممثلى القبائل بكل أشكالها وألوانها؟‎..
سحلول: ليس كلها يا مولاى، فهناك قبائل لا تستأهل الاستدعاء أصلا.. نحن فقط‎ نستدعى القبائل التى فيها بعض الرمق، وقد أبرمنا اتفاقات معها، وسوف تلتزم بكل ما‎ قيل لها.. الزعيم: وماذا عن قبيلة السلوان؟ سحلول: سوف نسحق عظامها يا مولاى حتى‎ تنسى نفسها وما كانت تردده طيلة الفترة الماضية.. الزعيم: حذار أن يكون الأمر‎ مفضوحا، إذ ربما توجه إلينا انتقادات، وقد تستغل ضدنا.. سحلول: لا تحمل هما يا‎ مولاى.. لقد ظهرت قبيلة السلوان حينما اختفت القبائل الأخرى‎..
لذا نحن نقوم هذه الأيام بتعبيد الطريق أمام إحدى القبائل، وهى قبيلة وفدان،‎ وأظنها يمكن أن تلعب دورا فى الأيام القادمة، خاصة أنها مرت بتجربة نميسة منذ‏‎ أيام.. باختصار يا مولاى سنأخذ من السلوان لنعطى وفدان، ولا بأس أن نعطى بعض العظام‎ لزوم المصمصة لقبائل جمعان وجبهان وخسران منعا للحسد يا مولاى.. أما الهبرة كلها‎ فهى كالمعتاد من نصيب قبيلة مولاى.. الزعيم: عظيم عظيم.. بوركت ياسحلول.. أنا أريد‎ خطة لا يتسرب منها الماء‎..
سحلول: ما تنشده يا مولاى سوف يتم بدقة كاملة، وأستطيع أن أبشر جلالتكم بالنتيجة‎ الآن.. إن خطتنا يا مولاى لم تعد تتم بالمسطرة والمثلث والمنقلة كما كنا نفعل قبلا،‎ وإنما بالميكروميتر والنانوميتر وما دون ذلك.. لقد أصبح لنا باع فى الوسائل التقنية‎ الحديثة والتى لا مكان فيها لنسبة خطأ مهما كان.. الزعيم بلهجة حازمة: حذار من أن‎ تقعوا فى نفس الخطأ الفاضح الذى أضحك علينا الكبير والصغير.. سحلول مقاطعا: تقصد يا‎ مولاى انتخابات شورى القطط؟‎..
الزعيم متهكما: وهل هناك غيرها أيها الفالح؟.. سحلول فى خبث: للأسف هناك من‎ الصبية المبتدئين من يتدخل فى عملنا يا مولاى، ونحن كما تعلم جلالتكم مهرة ومحترفون‎ وأرباب صناعة من قديم.. الزعيم: أمثال من؟.. سحلول: أمثال القط زعلول يا مولاى‎.. الزعيم: سوف أصدر أوامرى ألا شأن لهم بهذا الموضوع.. سحلول مبتهجا: شكرا لجلالتكم‏‎.. هذا خبر عظيم سيفرح له كل العسس يا مولاى.. عند هذا الحد شعر الزعيم بتعب خفيف،‎ فانتهز فرصة القيلولة وقرر أن يستريح قليلا.. تمدد على الرمال، وظل يتمرغ على ظهره‎ وبطنه وجنبيه حتى تسترخى عضلاته أو تأخذه سنة من النوم.. قام سحلول مستئذنا ليتناول‎ بعض المرطبات، فأذن له على أمل أن يعود إليه بعد أن يستريح‎.‎
‎■ ■ ■‎
بعد فترة قصيرة علم الوزير سحلول أن الزعيم قد استيقظ وأنه مستعد للقائه، فجاء‎ مسرعا وما هى إلا لحظات حتى كان فى حضرته.. بادره الزعيم بقوله: سمعت كلاما يتردد‎ حول ما يسمونه بالعجائب السبع ويجمعون لها البصمات.. ما هى معلوماتك عن ذلك‎ ياسحلول؟ ولماذا هى سبع وليست خمسا أو ستا؟ هل لذلك علاقة بالسماوات السبع،‎ والأراضين السبع، وأيام الأسبوع السبع؟ ولماذا يقومون بهذا العمل؟.. سحلول: بعض‎ القطط المشاغبين من ذوى الانتماء لفصيلة السباع يقولون إن لديهم مطالب سبعة يريدون‎ أن يستجيب لها جلالتكم.. الزعيم: وما هى؟‎..
سحلول: لا داعى لأن تعكر مزاجك يا مولاى بهذا الأمر، ونحن سنقوم باللازم‎.. الزعيم: أهى مقلقة إلى هذا الحد؟.. سحلول: نعم يا مولاى.. لكنها ليست مطالب جديدة،‎ وجلالتكم تعرفونها جيدا وقد تحدثوا فيها منذ عقود.. لكن الجديد فى الأمر أنهم‎ يجمعون لها بصمات من عموم القطط.. الزعيم: وماذا يفعلون بها؟.. سحلول: أبدا يا‎ مولاى.. مجرد إثبات حالة، للخربشة والزئير فقط.. الزعيم: منذ متى ونحن نقيم وزنا‎ لعموم القطط، أو حتى لخاصتهم حتى نلقى بالا لعرائض تحمل بصماتهم؟ ألا يخشون أن نقوم‎ بنقعها ونضطرهم لشرب مائها؟‎..
سحلول: هؤلاء خبثاء يا مولاى، والأمر ليس بهذه البساطة، فقد دلت تحرياتنا أنهم‎ يستخدمون فى البصمات مادة ذرية تنشطر إذا وضعت فى الماء إلى مئات وآلاف، إن لم يكن‎ ملايين من البصمات، وقد تنتشر عدواها فتصيب كل من بالمملكة.. الزعيم وهو يبتلع‎ ريقه: ومن أين لهم بها؟.. سحلول: أحضرها لهم سعفان من الوكالة التى كان يعمل بها‎.. الزعيم: والعمل ياسحلول؟‎..
سحلول: أرى أن نصادر هذه المادة يا مولاى، أو نصرف نظرا عن مسألة النقع فى‎ الماء.. أو نترك الأمر يسير فى مجراه الطبيعى إلى أن يتلاشى.. الزعيم: أنا فى‎ حيرة.. ماذا يريد هؤلاء الخبثاء؟.. سحلول: يقولون إن هذا حقهم يا مولاى فى أن‎ يعيشوا كبقية الأجناس، وأن هذه المطالب على حد زعمهم سوف تنهض بالمملكة وتنقذها من‎ براثن الاستبداد والفساد والتخلف والجهل والفقر والمرض.. ثم إن هذه المطالب سوف‎ تعيد إلى عموم القطط انتماءهم لفصيلة السباع.. الزعيم مقاطعا: إلا هذا ياسحلول‎.. إلا هذا‎..
ثم إن الذئاب والكلاب لن يوافقوا على ذلك.. سحلول: هؤلاء يفتقرون إلى حكمتكم يا‎ مولاى.. يزعمون أن المطالب هى بداية التغيير.. الزعيم فى غضب: تغيير ماذا؟.. سحلول‎: عافنى يا مولاى.. الزعيم: آه.. فهمت.. يتخذون هذه المطالب ذريعة ليثبوا على‎ سلطانى.. هل جن هؤلاء؟.. إنهم يهرفون.. لن أمكنهم من ذلك.. سوف أفرق جمعهم وأشتت‎ شملهم.. يبدو أنهم نسوا أنفسهم.. ثم قال بلهجة حاسمة: اسمع ياسحلول.. لابد من تصرف‎ سريع.. أخشى أن يكون الذئاب يتآمرون علينا.. سحلول: هم يتآمرون على الجميع يا‎ مولاى.. هم يريدون جنازة ويشبعون فيها لطما.. الزعيم: هل تكلم القط سعفان فى حق‎ الخنازير؟‎..
سحلول: كلا يا مولاى.. ولماذا هذا السؤال بالذات؟.. الزعيم: نريد أن نوهم عموم‎ القطط بوجود علاقة خفية بين سعفان والذئاب.. سحلول: هذه فكرة إبليسية يا مولاى‎.. بذلك نكون قد ضربنا سعفان ومن معه فى مقتل.. الزعيم: نعم نعم.. لكن لابد من الحركة‎ عبر كتائب الهجوم التحتية.. سحلول: تقصد يا مولاى السفلة والغوغاء والدهماء من ذوى‎ الألسنة الحداد؟.. الزعيم: طبعا طبعا.. سكت قليلا ثم لمعت عيناه فجأة وقال: يبقى‎ شىء مهم، وهو استخدام الأفعى القاتلة ذات السم الزعاف.. سحلول بخبث: أعرفها‎.. أعرفها جيدا يا مولاى.. أليست «فرق تسد»؟‎..
الزعيم: نعم نعم.. نحن فى مسيس الحاجة إليها فى هذا الوقت بالذات.. إن هناك نقاط‎ ضعف بين القبائل، وأخرى داخل كل قبيلة، بل فى كل فرد من القطط المشاغبة.. أريدك أن‎ تتسلل منها، وأن تضرب بقوة حتى تنفرط حبات العقد.. ثم انفجر فى نوبة من القهقهة‎ العالية، ألقى بعدها بجسده المكتنز على الرمال الدافئة وصار يتمرغ يمينا وشمالا وهو‎ يصيح: انطلق.. انطلق ياسحلول.. هذه هى مهمتك الآن.. لا تدع شيئا يشغلك عنها.. هب‎ سحلول واقفا وأخذ نفسا عميقا، قال وهو يستأذن فى الانصراف: سمعا وطاعة يا مولاى‎.. سمعا وطاعة‎.‎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.