فى الليلة السابقة لثلاثاء الغضب، كان «المتنطعون» يملؤون شاشات التليفزيون بأحاديث الإفك المؤيِّدة للاستبداد بالكلام الرخيص الذى يزعمون فيه أن الأغلبية الكاسحة من شعب مصر تؤيد الطغيان وترضى بالديكتاتورية، وأن ميادين التحرير فى الغد لن تشهد إلا تجمع بضعة آلاف من الذين وصفوهم -من فرط الأدب وتقوى الله- بأنهم من الفلول وأعداء الثورة ومتعاطى الترامادول! بعد ساعات، ومع صباح «ثلاثاء الغضب»، كان شعب مصر العظيم يدوس بأحذيته على المتنطعين وخُدام السلطان، وكانت الملايين تزحف نحو ميدان التحرير ونحو كل ميادين الحرية فى أنحاء مصر، وكانت الثورة تنطلق من جديد بعد أن استوعبت الدرس وكشفت من اختطفوا الثورة بعد مرحلتها الأولى، فخانوا أهدافها، وباعوا دماء الشهداء ليقيموا دولة الاستبداد من جديد!
عاد الثوار الحقيقيون إلى الميدان يستردون ثورتهم، ويتعاهدون على تحقيق أهدافها، يتجاوز الأمر حتى إلغاء الإعلان الدستورى المشؤوم، هذا أمر لم يعد مجالا للتفاوض، وإنما المطلوب الآن أن ننطلق من «ثلاثاء الغضب» باعتباره اليوم التاسع عشر للثورة، وأن نزيح من أمامنا كل العقبات التى تعترض طريقها، وأن ننهى الانقلاب الذى وقع بالفعل حين تم اختطاف الثورة، وحين تم استبعاد الثوار، وحين بدأ التأسيس لدولة الاستبداد التى تريد أن تفرض على كل المصريين منطق السمع والطاعة، حتى وهى تقودنا إلى كهوف طالبان باسم الدين الحنيف البرىء من كل هذه الآثام.
من «ثلاثاء الغضب» ننطلق لنستكمل الثورة، يكفى أكثر من عشرين شهرا من الضياع تصل بنا -مع الإعلان غير الدستورى- إلى إعادة إنتاج دولة الاستبداد بصورة أكثر بشاعة وانحطاطا! من «ثلاثاء الغضب» ننطلق لنُنهِى مرحلة تراجع الثورة الذى أوصلَنا إلى هذا الوضع الذى تقف فيه الغالبية العظمى من شعب مصر فى مواجهة نظام يضرب استقلال القضاء وحرية الصحافة، ويقيم دولة الاستبداد التى تستبعد كل القوى الوطنية، ويهدم أركان الدولة المدنية، وينتهك حقوق العمال والفلاحين، ويتناسى مطالب الثورة فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية!
نؤكد مرة أخرى ما قلناه بالأمس.. ليس هذا وقت العناد فى الحق، أو المناورات الصغيرة، بل هو وقت القرارات الشجاعة لإنقاذ الوطن، لا مجال للتحايل فى إلغاء الإعلان الدستورى، وحل الجمعية التأسيسية، وحكومة إنقاذ وطنى، فالبديل كارثة سوف يتحمل وزرها كاملا الرئيس وحزبه وجماعته.
أخشى ما أخشاه أن يكون لقصر «الاتحادية» أسوار تمنع مَن بداخله من أن يرى الصورة الحقيقية لما يحدث على أرض مصر، أو يسمع هدير الملايين وهى ترفض الاستبداد وتطلب الحرية! بعد كل أحداث «ثلاثاء الغضب» سمعت صوت أخ عزيز من كبار العاملين فى الرئاسة يكرر القول: إن الإعلان الدستورى قد صدر لحماية الثورة، ولن يتم تعديله قيد أنملة!
يا أخى العزيز.. سلامة أناملك، وأنامل الرئاسة، أما الثورة فلها شعب يحميها حتى تقهر الاستبداد، وتقيم دولة الحرية وكرامة الإنسان.