سعر الذهب اليوم في مصر الأربعاء 31 ديسمبر 2025.. عيار 21 يستقر عند 5910 جنيهات    اسعار اللحوم اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى مجازر المنيا    موسكو تعلن تقدما ميدانيا شمال شرق أوكرانيا.. وبوتين يأمر بتوسيع المنطقة العازلة    مباشر الآن.. الجزائر تواجه غينيا الاستوائية الليلة في مباراة مثيرة بكأس أمم إفريقيا 2025    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس خلال احتفالات ليلة رأس السنة 2025    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    لماذا ترتفع معدلات الأزمات القلبية في فصل الشتاء؟ 9 إرشادات طبية للوقاية    الصحة تؤكد أهمية تطعيم الحمى الشوكية لطلاب المدارس للوقاية من الالتهاب السحائي    «اتصال» وImpact Management توقعان مذكرة تفاهم لدعم التوسع الإقليمي لشركات تكنولوجيا المعلومات المصرية    القبض على المتهم بالاعتداء على سيدة بعد استدراجها لمسكنه في البدرشين    اليوم محاكمة المتهمات في قضية الاعتداء على الطالبة كارما    التضامن: إلزام الأسر المستفيدة بالمشروطية التعليمية ضمن برنامج تكافل وكرامة    خلونا بني آدمين.. محمود الليثي ينضم لعارفة عبد الرسول في الدفاع عن أطفال مواقع التصوير    علما الآثار يخشون فتح قبر أول إمبراطور للصين.. فما السبب    مطار الغردقة الدولي يستقبل 19 ألف سائح على متن 97 رحلة طيران احتفالا بليلة رأس السنة    الكويت: بدء جولة الإعادة في الدوائر الملغاة من المرحلة الأولى لمجلس النواب    الحكومة تصدر قرارًا جديدًا بشأن الإجازات الدينية للأخوة المسيحيين| تفاصيل    إيمري يقلل من أهمية عدم مصافحة أرتيتا بعد مواجهة أرسنال وأستون فيلا    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    تجديد حبس عاطلين قتلا مالك كافيه رفض معاكستهما لفتاة في عين شمس    اليوم.. نظر محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة الإرهابية    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    اليوم.. نظر محاكمة المتهم في قضية «صغار الهرم»    طاجن خضار بالجبنة في الفرن، وجبة صحية وسهلة التحضير    وفاة إيزايا ويتلوك جونيور نجم مسلسل "The Wire" الشهير عن 71 عاما    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    أحمد هاشم يكتب: تحالف الشياطين في الصومال    وخلق الله بريجيت باردو    العام الجديد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    إسرائيل تهدد بإيقاف عمل بعض المنظمات الدولية في غزة عام 2026    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    حمادة المصري: الأهلي مطالب بالموافقة على رحيل حمزة عبدالكريم إلى برشلونة    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    قبل المباراة المقبلة.. التاريخ يبتسم لمصر في مواجهة بنين    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسماعيل قدري و«سقوط المدينة الحجرية».. إبداع المثقف القابض على الجمر
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 11 - 2012

فى حضورالذات المبدعة وتفاعلها مع أسئلة الواقع وحركته وتيارات التاريخ وأمواجه ورفض الممارسات الشائهة لبعض المحسوبين على النخب الثقافية والمنخرطين في صراعات مشوهة بحثا عن وجود صناعي ومكانة منتحلة، ثمة رجال يجسدون نموذج "المثقف القابض على الجمر والباحث عن الحقيقة"، في مواجهة "المثقف الرث الذي يضع الحقيقة رهن إشارة المنفعة الخاصة".. رجال قاوموا السقوط مثل الكاتب الألباني إسماعيل قدري.

ومع ظهور الطبعة الإنجليزية لرواية "سقوط المدينة الحجرية" مؤخرا -يقول الكاتب والناقد الأرجنتينى الأصل ألبيرتو مانجويل فى صحيفة "ذي جارديان" البريطانية إن قارىء الرواية الجديدة لإسماعيل قدري يجد نفسه في عالم الأحلام والواقع، حيث التاريخ يسير جنبا إلى جنب مع الخيال ووقائع الحياة.

وكما اعتاد إسماعيل قدري في رواياته التي تجاوزت ال20 رواية، فإن "سقوط المدينة الحجرية" يحتشد فيها حضور الماضي وهو يصنع "ألبانيا التي يعرفها".. الوطن الذي يعاني من تعاقب أنظمة الحكم الاستبدادية: من الاحتلال العثماني إلى الغزو الفاشي الإيطالي، فالهيمنة النازية الألمانية، ثم الحكم الشمولي الشيوعي.

واسم إسماعيل قدري مطروح منذ سنوات على قوائم التكهنات السنوية لجائزة نوبل للآداب، ويبدو أن صاحب رائعة "جنرال الجيش الميت" لم يمل الانتظار، فيما تتوزع أعماله بين الرواية والقصة والمسرح والشعر وترجمت بعض رواياته الى نحو 30 لغة.

وإبداعات قدري منذورة لمحاربة الطغيان ومناوءة الديكتاتورية والتنديد ببشاعة العدوان على الحرية عبر توظيف مدهش للتاريخ والأسطورة ولغة شاعرة، كما يتبدى في روايته "سقوط المدينة الحجرية".

ولد إسماعيل قدري عام 1936 في مدينة "جيركاستير" جنوب ألبانيا ودرس الأدب في جامعتي تيرانا وموسكو واضطر لنشر أغلب أعماله في الخارج قبل لجوئه الى المنفى الباريسي عام 1990.
وفي رواية "سقوط المدينة الحجرية"، التي ترجمها من الفرنسية للإنجليزية جون هودجسون، تتجلى معاني المقاومة، فيما تحول المقاومون الألبان من مقاومة المحتل الإيطالي إالى مقاومة المحتل الألماني حيث ينتشر القناصة من رجال المقاومة لاصطياد راكبي الدراجات النارية من الجنود في الجيش النازي.

والرواية تستدعى التاريخ وهدفها الحاضر، ففي عام 1943 وقعت إيطاليا الفاشية على اتفاق تنازلت بمقتضاه لحليفتها ألمانيا النازية عن ألبانيا، والمثير للسخرية أن الجنود الألمان دخلوا ألبانيا في صورة محررين لهذا البلد الذي كان يخضع للإحتلال الإيطالي منذ عام 1939.

وكانت المحطة الأولى للجنود الألمان داخل ألبانيا هي مدينة "جيروكاستير" الحجرية، فيما حمل طبيبان فى المدينة الإسم ذاته وهو "جيوراميتو" وللتمييز بينهما أطلق على أحدهما اسم "الدكتور جيوراميتو الكبير"، وسمي الآخر "الدكتور جيوراميتو الصغير"، كما يحكي إسماعيل قدري في روايته التي تحظى بحفاوة فى الصحافة الثقافية البريطانية.

ولدهشة الجميع في المدينة الحجرية، تبين أن القائد النازي فريتز فون شفابل، كان صديقا قديما للدكتور جيوراميتو الكبير منذ أيام الدراسة، ودعا هذا الطبيب صديقه القديم على العشاء في منزله في وقت كان جيش الاحتلال الألماني يحتجز مائة شخص من أبناء مدينة "جيروكاستير" كرهائن ردا على عمليات المقاومة.

ورغم كل شىء، يلبي القائد العسكرى النازي دعوة جيوراميتو الكبير الذي يقنعه بإطلاق سراح الرهائن، ومن بينهم صيدلي يهودي، عشية مغادرة القوات الألمانية مدينة "جيروكاستير" .
ورغم عدم وجود أي منافسة بين الدكتور جيوراميتو الكبير والدكتور جيوراميتو الصغير، فان سكان المدينة الحجرية يشيدون بالأول ويعتبرونه بطلا أنقذ مدينتهم، بينما تكون السخرية من نصيب الدكتور جيوراميتو الصغير.

وتمضى الرواية إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث يتهم نظام الحكم الشيوعي الجديد الدكتور جيوراميتو الكبير بالتعاون مع المحتل النازي، غير أن الطريف أن السلطة الاستبدادية الجديدة لم تكلف نفسها عناء التمييز بين الطبيبين، فأعتقلتهما وعذبتهما معا.
لم يقترف الدكتور جيوراميتو الصغير إثم دعوة القائد النازي على العشاء ولم يكن يعرف الجنرال فريتز فون شفابل الذي قتل في معارك الجبهةن ومع ذلك فقد ذاق ألوان العذاب لمجرد أنه يحمل اسم "جيوراميتو".. فالاستبداد لا يميز.

إنها "ألبانيا قدري" بحجارتها وحيث الميت والحي، أو الماضي والحاضر يتبادلان الأدوار، بينما تتطاول الأكاذيب في ظل الطغيان وينتعش كل دعي وتروج تجارة الإفك ويرتاب الناس في بعضهم البعض وهميؤخذون بالشبهات.
فالمدينة التى يحكمها الطاغوت كما يصنعها إسماعيل قدري ببصيرة الإبداع هي مدينة الوشايات والشائعات والمكائد والمؤامرات والخيانات، فيما الحكايات القديمة الجديدة أو الجديدة القديمة تلقي بظلال الشك على كل شىء بما في ذلك التاريخ ذاته.

هكذا لا أحد يعرف ما إذا كانت الفتيات في القرى يتعرضن للخطف ويتم اقتيادهن إلى مدينة "جيروكاستير"- كما يقال- أم انهن جئن للمدينة الحجرية بغواية الإنحراف في انسياق إرادي.. أي أحلام تراود هؤلاء الفتيات القادمات من الريف للحضر؟ هل يعشن داخل المدينة بمتاهاتها الحجرية في حزن، أم سعادة؟.

لا أحد يعرف الحقيقة رغم أن الكل يتجسس على الكل! كأن الحقيقة ماتت في ظل الاستبداد.. لكن حقيقة إسماعيل قدري ساطعة ولم يتمكن منها الطغيان، فهو كما يقول الناقد البيرتو مانجويل مازال قادرا على إهداء المتعة لقرائه بروايات يبدو فيها الخيال التاريخي كأنه الواقع فيما تبيح الضرورة الإبداعية خروجه على قواعد تعارف عليها البعض وتتحول أحيانا إلى قيود تكبل الخيال.

ومن هنا لا يلتزم إسماعيل قدري في رواياته بحرفية التاريخ المدون، وقد يعيد في أحيان كثيرة صنعه أو يشكله مجددا بعيدا عن روايات المؤرخين بحذافيرها لتتبارى الأسطورة والتاريخ، كما أن معاصري قدري ليسوا فقط ضحايا وطغاة عصره الحزين وإنما أيضا نساء ورجال حاربوا في مشاهد أسطورية بالملاحم الألبانية.

في كتاباته لا يمكن عقد تلك المقارنات السطحية والسهلة بين الماضي والحاضر، وإنما فهم عميق للمأساة الغنسانية فى استمراريتها وسيولتها، فيما تبدو الحدود بين الواقع والحلم مراوغة ومتداخلة حتى الصفحة الأخيرة إلى أن تأتي لحظة الكشف في آخر لحظة.

وليست رواية "سقوط المدينة الحجرية" بعيدة عن ذلك كله، كما يقول البيرتو مانجويل، صاحب الكتاب الشهير:"تاريخ القراءة"، وهو يتحدث عن صاحب "الاستفزاز وأشياء أخرى"، و"الشتاء الكبير"ن و"حفل نهاية الفصل"، و"طبول المطر"ن و"قصر الأحلام"، والحائز على جائزة "مان بوكر" عام 2005 وجائزة "أمير استورياس" الأدبية الأسبانية في عام 2009.

هذا رجل رفض التواطؤ على الذات وعلى الواقع في ذروة زمن الاستبداد ببلاده وتحمل محنة الطغيان التي تنال من بعض المثقفين وتجتاح أحيانا المواقف والتصورات والآليات الذهنية وحتى الثوابت.. تحية لإسماعيل قدرى المثقف الباحث عن الدور لا المقعد، والذي لم يتهافت أبدا على مائدة السلطة رغم أنها راودته كثيرا عن نفسه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.