عندما لا يربطنا غير المنتخب يصبح زعيمنا هو المدرب حسن شحاته باستثناء بعض النقاد الرياضيين ورابطة كارهي عصام الحضري، ليس هناك من لا يحب الكابتن «حسن شحاتة»، كلمة حب ليست الكلمة الدقيقة، هناك إعجاب عام متجاوز للفئات والطبقات بهذا الرجل، ليس فقط بموهبته الكروية والتدريبية، بل بشخصيته، طريقته التلقائية في الكلام، أبوته للاعبين، تقديره لمبدأي الالتزام والجدية، كاريزمته التي تفوقت حتي علي كاريزما أكبر عدد من النجوم شهدته مصر في جيل -كروي - واحد، باختصار، عند الحديث عن بطل قومي للمصريين، لايمكن استثناء حسن شحاتة، بل لايمكن إلا التفكير فيه مباشرة، أليس هو الرجل الذي أعاد العلم المصري إلي الشوارع، أليس صاحب مظاهرات الفرح بالملايين؟ والأهم من كل ذلك، أن الإعجاب به يشمل الغني والفقير، المتعلم والأمي، سائق التاكسي والزبون في التاكسي ورجل المرور الذي يسحب رخصة التاكسي، الأمر الذي يتفق ومصطلح «بطل قومي» الذي يعني أن تتعلق البطولة «بالقوم» جميعهم أو أغلبهم بغض النظر عن التفاوت بينهم ، هل يبدو غريبا - وربما مخجلا - بعض الشيء أن يكون بطلنا القومي مدربًا لكرة القدم؟ ربما، بغض النظر عن تقدير قيمة الاجتهاد - والنجاح - في حد ذاتها، عندما يتعمد النظام السياسي تفتيت كل ما يجمع المصريين فيتم السيطرة علي النقابات وتدمير اتحادات الطلاب وتحجيم الأحزاب، تصبح الكرة هي الرابط الوحيد بين المصريين، وعندما يقدم الانتصار الكروي بديلا عن الانتصار أو التقدم في مجالات الحياة الأساسية، يصبح طبيعيًا أن يكون رمز هذا الانتصار «وهو هنا حسن شحاتة» بمثابة بطل قومي للمصريين. لكن حكاية المصريين مع البطل القومي حكاية طويلة، حتي لو اكتفينا منها بالعصر الحديث لوجدنا قائمة طويلة، تكاد تتوقف تقريبًا قبل عهد الرئيس مبارك، لكن تلك القائمة علي طولها تنبض بنقطتين مضيئتين أساسيتين، هما «سعد زغلول» و«جمال عبدالناصر»، لا ترتبط بطولتهما «وزعامتهما فحسب بالدور التاريخي الذي مارسه كل منهما، بل أيضًا بأصولهما الاجتماعية وتناسب شخصيتهما مع عصريهما علي حدة، فقد مثل سعد زغلول رابطًا بين طبقتين أساسيتين في الشعب المصري بدايات القرن العشرين، ألا وهما طبقة الفلاحين، وطبقة أصحاب الأراضي، ثم هو كان ممثلا عن المتعلمين في واحدة من أهم المهن وهي المحاماة، ثم أضيف إلي كل ذلك حصوله علي رتبة الباشوية مما جعل له موطئ قدم بين الطبقة الحاكمة، ولا شك أن غيره من أبطال الاستقلال الوطني مثل «عرابي ومصطفي كامل» كانت لهما عظمتهما وشعبيتهما، لكن كفاح سعد زغلول ساهم في تشكل الوعي بمفهوم «الأمة المصرية» حتي سمي بيته «بيت الأمة»، لقد جاء ليحسم مفهوم استقلال مصر ككيان خاص له سماته المستقلة، وليس كجزء من الخلافة العثمانية كما كان يفكر سابقوه ومنهم مصطفي كامل وعرابي، بالتالي فإن أحدا لم يدان سعد زغلول في الشعبية سوي مصطفي النحاس، الذي كان بدوره صاحب شعبية أسطورية، لكن انقسام حزب الوفد ثم قيام ثورة يوليو أبعد النحاس كثيرا عن الأضواء، علي عكس سعد زغلول الذي توفي في ذروة الكفاح من أجل الاستقلال وبعد سنوات طويلة من إقرار الدستور المصري، مما أتم الهالة الأسطورية التي تميز كل زعيم وطني. ووسط الصراع الذي احتدم بين الضباط الأحرار بعد الثورة لم يكن غريبا أن يحسمه مؤسسها «جمال عبدالناصر»، كون جمال قائدًا وأبًا وزعيمًا ليس محل نقاش حتي من أعتي المختلفين عنه، إذ توحدت فيه الكريزما مع الرؤية، حتي سماته الجسدية من طول فارع وملامح عريضة وصوت مؤثر ثم قدرة علي الخطابة، فضلا عن عبقرية اللحظة التي كان فيها العالم يتشكل من جديد، فساهم ناصر في تشكيله بقوة وجدارة، الإخلاص والجسارة التي خاض بها ناصر معاركه هي التي جعلت المصريين يتعاطفون معه حتي في النكسة، وجاء رحيله المفاجئ في سن صغيرة ليمنحه نهاية تليق بحياته غير العادية لقد كان ناصر بطلا قوميا من النوع الذي يتولي كل شيء نيابة عن الشعب، لقد جعل ذلك شعبه يتعلق به كتعلق الابن والوالد، ولكن نتيجة ذلك أن جاء آخرون لينزعوا المكتسبات دون أن يدافع عنها أحد بعد رحيل الزعيم.