ليس خبراً جديداً، أو ليس خبراً أصلا أن البلطجية وقطاع الطرق وأصحاب السوابق هم واجهة وعنوان نظام حكم يلتزم التزاما صارما بمنهج «النشل التاريخي» للسلطة والثروة ويقوم علي الزواج الحرام بين الديكتاتورية واللصوصية، ولا عجب كذلك أن تلون هذه الطبيعة الشائهة المنحرفة ممارساته وأساليبه في الاقتصاد كما في السياسة، وتجعله لا يكتفي، وهو يتصدي بالبطش والقمع لكل تحرك سلمي متحضر يستهدف إنهاء رقدته الطويلة علي أنفاس الوطن وأهله، بالإمكانيات البوليسية الرهيبة التي في حوزته وتلك الجيوش العرمرم من شتي أنواع الأمن والمباحث، وإنما يزيد عليها أساليب وممارسات واطية ومنحطة ربما يأنف منها ويستبشعها عتاة المجرمين وأشدهم فجوراً وقسوة. مثلا.. لا يستطيع العبد لله كاتب هذه السطور أن ينسي مهما طال الزمن وقائع تلك الفضيحة المدوية التي يندي لها الجبين، والتي ربما لن تجد شبيهاً لها في كل سجلات الفظائع والجرائم التي اقترفتها نظم الحكم الفاشية والقمعية علي مر العصور، وأقصد جريمة الاستعانة (يوم الاستفتاء المزور علي التعديل الشيطاني للمادة 76 قبل خمس سنوات) بقطعان ضخمة من حثالة البشر جري نشرهم يومها في شوارع قلب العاصمة تحت قيادة شخصيات نافذة في حزب الحكومة وفي حماية حشود هائلة من الأمن والمباحث، وما أن صدرت التعليمات حتي انطلقت هذه القطعان المسعورة وأخذت تصول وتجول وتعربد وترتكب أهوالاً مروعة كان أفظعها وأكثرها عاراً وخسة، الإقدام عمداً (وبتخطيط وترتيب مسبقين) علي هتك أعراض عشرات الفتيات والسيدات الفضليات والاعتداء عليهن وكشف عوراتهن وتمزيق ملابسهن علي قارعة الطريق بهدف إشاعة أجواء رعب وفزع عام لإجهاض أي محاولة للتجمع والتظاهر السلمي الاحتجاجي في هذا اليوم الكئيب. لقد داهمتني ذكري هذه الجريمة المشينة وتجددت مواجع جروحها التي لا تندمل بينما أنا أقرأ وأستمع من أصدقاء وشهود عيان ثقات تفاصيل حادثة الاعتداء الهمجي الذي تعرض له الأسبوع الماضي بمدينة «إطسا» في محافظة الفيوم، عشرات المواطنين الناشطين في حملة الدكتور محمد البرادعي الشعبية التي تجاهد لتقريب يوم الخلاص من المصيبة السوداء التي نعيش تحت ظلالها الثقيلة منذ ثلاثة عقود حتي الساعة، والحقيقة فإن أكثر ما روعني في هذه الحادثة لم يكن عودة النظام إلي طريقة حشد «الصيَّع» والبلطجية والخارجين علي القانون واستعمالهم كوسيلة قمع وتنكيل فعالة بقادة مرموقين ونشطاء سياسيين مسالمين، وإنما استباحة اللعب الإجرامي المتهور والوضيع ب«الورقة الطائفية» وإقدامه علي تحريض العشرات من عملاء المباحث المنتمين لجماعات ما يسمي «السلفيين» ضد هؤلاء القادة والنشطاء بحجة أن من بينهم مواطناً مصرياً مسيحياً هو الصديق جورج إسحق !! إنه دليل جديد يؤكد قدرة أجهزة نظام الرئيس حسني مبارك وولده علي إنتاج العار والإمعان الطائش في انتهاك كل المحرمات الأخلاقية والوطنية بغير واعز من ضمير أو أدني شعور بالمسئولية.. إنها الرغبة المجنونة الجامحة للاستمرار والبقاء بأي ثمن، ولو فوق جثة بلد وأطلال مجتمع وأشلاء شعب !! ولا حول ولا قوة إلا بالله.