كتبت ما ستقرأه الآن قبل عام،وقتها لم يكن لى قراء إلا أصدقائى الموجودون على صفحتى الشخصية بالفيس بوك،وأذكر جيدا كيف كان إحساسى وقتها أذكر جيدا لأننى فقدت عالما كاملا منذ عام،أحسست وأنا أقف أمام القبر الصامت الذى يضم بين جنبيه ذلك العظيم الذى فاضت الحيوية والشباب من حركاته وسكناته أننى أودع دنيا داخل الدنيا أو عالما غير منظور أو عمرا لا تحصيه السنون أذكر كيف صدمت سيارتى مرتين بعد علمى بالخبر،كيف أوقفت شخصا لا أعرفه لأسأله إذا ما كان بإمكانه أن يصحبنى معه للحظات الوداع الأخيرة،كيف شعرت أننى لا أستطيع الذهاب إلى عقد زواج أحد أصدقائى وحين غالبت نفسى عدت من منتصف الطريق لأننى لا أستطيع القيادة،و كيف كانت سعادتى حين علمت أن بعضا من أقاربه قرأ ما كتبته و أعجب به. هى مشكلة يا سيدى مشكلة لا أجد لها حلا فأنا الذى تتسابق الدموع الى عينيه وهو يستمع الى أغنية أو يقرأ رواية أقف عاجزا عن البكاء فى لحظات الحزن العميق كأن الله قد منحنى عينين صخريتين تتعطل بهما خاصية البكاء فجأة تثور بداخلى براكين الحزن تعتصرنى قبضة الألم أشعر بقلبى ينزف بين ضلوعى فى أعقاب طعنة يصيبه بها القدر ولا أبكى!!!!!!! لذا كثيراما ألجأ الى سكب مشاعرى على الورق أشاطره أحزانى أفضى بنفسى اليه أبثه دواخلها أسأله العون على وجيعة القلب و خذلان الأعين ولكنى يا أستاذ أقف عاجزا اليوم حتى عن الرثاء فاذا بى أقف أمام أوراقى مشدوها لا أستطيع أن أبثها لوعتى و ما استطعت الا أن ألملم بعض حطام نفسى فى بضع وريقات هل يمكن يا سيدى لأعظم أدباء العالم أن يرثى الحب؟ التسامح؟ الابتسامة؟ المشاعر كلها؟؟ هل لهذه الأشياء من رثاء يا سيدى؟؟؟؟؟؟؟؟ كنت هذه الأشياء كلها بالنسبة لى و أكثر الى أين يا أستاذ؟؟؟ هل هان عليك محبوك الى هذه الدرجة؟؟؟؟ أتتركنا هكذا؟؟ دونما أمل فى لقاء قريب؟؟؟ علمتنا أن الكبار يضحكون أيضا و لكنك لم تخبرنا كيف يمكننا أن نضحك بعدك كبارا و صغارا؟؟؟ اليوم مات ظل العقاد على الأرض سكتت أم كلثوم الى الأبد اعتزل عبد الوهاب الى غير رجعة توقف حليم عن الحب تجمد قلم كامل الشناوى توقف الملاخ عن القاء النكات تصاعدت سحب كثيفة من غليون السادات أبت الا أن ترافق روح صديقه اليوم بكى طه حسين لم يعد السباعى قادرا على كتابة رومانسياته يوسف ادريس اكتفى بهذا القدر من الابتكار عبد الرحمن بدوى تجهم كما لم يفعل من قبل حتى منصور باشا حسن توقف عن القاء المحاضرات فى علم الجمال اليوم انتحبت المنصورة عادت ألمانيا كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية نساء ايطاليا لسن بهذا الجمال وجميلات باريس لسن بتلك الأناقة فقدت باريس بهاءها يا سيدى لم تعد للبن تلك الرائحة المميزة فى مقاهى الشانزلزيه الكرواسون لم يعد لذيذا كما كان حتى سارتر توقف عن تناوله هناك اليوم يعزى سارتر كيركجور ويقف سقراط و اجما دون أن يطرح أى أسئلة نيتشه توقف عن صب لعناته فوق رؤوس الجميع و شوبنهور لم يعد قادرا حتى على التشاؤم ألبرتو مورافيا ينعى صديقه و مارلين مونرو انطفأ سحرها حزنا اليوم بكت الحيوانات من أدرك نبلها و ذبلت جميع أوراق الأشجار فى حداد مهيب اليوم عجز أحد محبيك عن الذهاب الى عقد زواج أحد أعز أصدقائه من فرط حزنه عليك و بعد أن غالب نفسه مرارا و تكرارا عاد من منتصف الطريق اليوم يا سيدى حزنت الدنيا كلها و اكتأب الكون قاطبة فيما عدا امرأة واحدة أقبلت من العالم الاخر كى تستقبل روح ولدها الذى قدمها الى الدنيا كلها مثالا للأمومة الحازمة و الشخصية القوية الى من اكتفى من السياحة فى عالمنا فذهب لاستكشاف العالم الاخر الى صاحب أرشق العبارات و أنبل الأرواح الى من علمنى أن أعشق القراءة و القارئين الى أكثر من وصف ابداعا الى الأستاذ والفيلسوف والعاشق والانسان الى أنيس منصور وداعا عاشت مصر وتحيا الثورة