«واحدة اتخرجت من البنات، وتلاتة لسة في التعليم، أنا بحمد ربنا إنهم بنات لو كانوا أولاداً كنت مش ممكن أقدر أعلمهم » قطعاً لم يخطر ببالي أن سائق التاكسي الذي يحكي لي قصة حياته علي سبيل التسلية يحب البنات لأنه مؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل، لكن أيضاً لم أتمكن من استنتاج سبب معقول لسعادته بأنهم بنات. فتخليت عن صمتي وخضعت لفضولي وسألته (اشمعني؟ ليه ؟يعني ؟) قال: ( أصل البنت اتعلمت ما اتعلمتش مش مهم، تنجح سنة وتريح سنة برضة مش مهم، أنا باعمل اللي عليَّ وأدخلهم المدارس وهم ونصيبهم، معايا ثمن الدروس ماشي أديهم دروس، مافيش فلوس مش مهم الدروس، لكن الولد لأ، الولد لازم ياخد كل الدروس مهما كانت الظروف، لازم يتعلم بجد ويجيب مجموع ويدخل كلية كويسة) علقت معترضة: ( إيه الفرق بين الولد والبنت في التعليم يا راجل يا طيب؟!) قال: ( عندك حق.. ما فيش فرق.. كل التعليم زي قلته.. كله بيتعلم ويقعد.. كله بيتصرف عليه البنت زي الولد.. كله محتاج مصاريف.. بس برضه مصاريف البنت أقل من مصاريف الولد). بدأت أشعر بالملل من بطء حركة المرور والزهق من ربط كل شئ بالمصروفات. فعدت إلي الصمت وتطوع هو بالشرح. قال: «أنا باطلع بتلاتين أو أربعين جنيهاً في اليوم، عايزة إيه أكتر من كده؟!، المفروض أعيش مستريح علي الأقل آكل لقمة تسندني، أنا بطني اتبهدلت من الفول والطعمية، العيشة غالية، والطلبات كتير، تعرفي يا أستاذة أنا لو ماعنديش ضمير كنت منعت الدروس نهائياً، وماصرفتش جنيه واحد علي الدروس، لكن أنا فاتح مدرسة في بيتي، طول اليوم بنات داخلة ومعهم مُدرسة وبنات تانية خارجة، بحمد ربنا إن البيت واسع أوضتين وصالة كبار، وأمان مافيش شاب يعاكس البنات ويقلق أهاليهم، فيه دروس.. بعشرة الحصة ودروس بعشرين الحصة، ودروس بتلاتين، وأنا أجيب منين يوم وأقول مافيش.. أفوت أسبوع أو اتنين وأرجع تاني يصعبوا عليَّ وأقول مين عارف يمكن يرجع الزمن اللي كانت فيه الشهادة سلاح في إيد البنت.. ممكن يا أستاذة؟!» قرر أن يستفزني لأشارك في الحديث طمعاً في تخفيف ملل الانتظار لكنني لم أستسلم لمخططه فأجبت باقتضاب: ( ماافتكرش ) قال مؤكداً: (أيوه.. سلاح إيه.. والله زمان يا سلاحي.. السلاح الوحيد في الزمن ده والزمن الجاي واللي بعده هوه الفلوس.. مش كده برضه يا أستاذة) قلت بنفس الاقتضاب: (يعني مش كده أوي) قال: ( سيادتك يعني ما شاء الله باين يعني علي سيادتك متعلمة كويس مش سيادتك دكتورة برضه؟) قلت: ( لأ.. صحفية) قال: (وماله زي الدكتورة برضه.. ربنا يوسعها علي الجميع ).