ونحن نحتفل باليوم العالمى للغة العربية لابد من أن نعترف بأنها تتعرض لحرب وجود أو محو من الوجود. وفى ذات الوقت فإن اليوم العالمى للغة العربية هو تذكير بأن عالم اليوم لا يعرف إلا لغة القوة فذلك اليوم العالمى انتزعته اللغة العربية بقوة وزخم انتصار أكتوبر المجيد عام 1973 حين علا صوت العروبة من فوق المنصات العالمية كالأمم المتحدة وغيرها وأدرك العالم أن الأمة التى حققت ذلك النصر -على عدو قيل إنه لا يقهر- لها لغة خاصة بها وجب عليه أن يعترف بها ويقرها ضمن لغاته الحية. ومن تكرار القول أن نذكر أن الحرب الضروس التى تواجهها اللغة العربية لم تتوقف منذ الاستعمار الغربى الذى اجتاح الشرق العربى على جثة الدولة العثمانية التى كانت تحتضر؛ وبحث مفكروه طويلا عن سر قوة الإنسان المسلم الذى فتح معظم بقاع العالم أيام المد الإسلامى الكبير، وكان من تلك الأسرار أن الطفل المسلم كان يبدأ فى حفظ القرآن وهو ابن ثلاث سنوات حتى إذا ما أكمل أعوامه الستة أتم فى الغالب حفظ القرآن الكريم وتحول فى الكتاتيب لحفظ ألفية ابن مالك والأحاديث النبوية الشريفة، وتصبح حصيلته اللغوية وقتها خمسين ألف كلمة من القرآن وحده عدا الألفية الشهيرة والأحاديث النبوية. وهكذا كانت الحرب على الكتاتيب من الإنجليز والفرنسيين فى مستعمرات كل منهما بصور مختلفة. ولست أرانا فى حاجة لاستعراض تفاصيل تلك الحرب التى استهدفت دون هوادة قتل الفصحى وتعميم العامية لغة للتعامل والأدب والعلوم والمخترعات. وعبر أكثر من ثمانين عامًا قاد مجمع اللغة العربية فى مصر المقاومة الوقائية ضد تلك الهجمات الشرسة من كل حدب وصوب، والتمس العون بحماية الدولة، وبالفعل أثمرت جهود المجمع تلك عن عدة قوانين رسمية لحماية اللغة العربية بلغت أربعة قوانين حتى عام 1976 وكلها تحمل صفة الإلزام باستخدام اللغة العربية. وأخيرا وبعد تكالب المهاجمين الناهشين لعرض اللغة العربية من خارج الحدود وداخلها وبعد أن اتسع الخرق على الراتق تقدم مجمع الخالدين منذ سنوات بمشروع قانون جديد من عشرين مادة لحماية اللغة العربية لكن أهم ما فيها إعادة الهيبة للمسميات والكتابة العربية للمنشآت والشركات والهيئات التجارية وغير التجارية، وأهم جوانب القانون فى نظرى المواد التالية: المادة (5) يجب أن تكتب باللغة العربية العلامات التجارية التى تتخذ شكلًا مميزًا لها، والأسماء والإمضاءات والكلمات والحروف والأرقام وعنوانات المحال والأختام والنقوش البارزة. المادة (9) تعتمد الدولة سياسة لغوية ملزمة، لجميع مؤسساتها العلمية والتعليمية والبحثية، من شأنها التخطيط لتعريب تدريس العلوم كافة فى المدارس والجامعات، وتشجيع الأساتذة على التأليف فى تخصصاتهم باللغة العربية وبترجمة أحدث المراجع فى كل علم من لغته الأصلية إلى اللغة العربية. المادة (11) يجب أن يحرص القادة والمسئولون والسياسيون والدعاة والمعلمون والمحاضرون والمتحدثون فى وسائل الإعلام من المذيعين ومقدمى البرامج والضيوف على التحدث بلغة عربية سليمة سهلة. المادة (12) تلتزم المؤسسات الصحفية والإعلامية بتعيين مصححين لغويين مؤهلين يكون عليهم تحرى صحة ما ينشر أو يذاع من الناحية اللغوية. وفيما عدا الأعمال ذات الطابع الأدبى الفنى لا يجوز نشر مقالات أو أخبار أو غيرها باللهجة العامية. هذا القانون تم تقديمه من المجمع إلى مجلس النواب منذ عدة سنوات ولم تتم مناقشته أو إقراره حتى الآن! فلعل من سوء طالعه أن القوانين التى كان يناقشها مجلس النواب فى الفترات السابقة ترتبط بالظروف السياسية خارجيا والحريات وترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية وفق ما يجرى حولنا من تحديات دولية. لكن فى هذا الصدد فإن اللغة العربية لا تقل أهمية عن الأمور الاقتصادية والسياسية والسيادية أيضا؛ فاللغة العربية مسألة أمن قومى. لا تقل أهميتها عن أهمية غيرها من الأمور والتقنيات التى يناقشها مجلس النواب. نتمنى أن يجد قانون حماية اللغة العربية طريقه للإقرار فى الدورة الجديدة لمجلس النواب ليشق طريقه إلى النور والتحقق على أرض الواقع.