أصبحت الصحافة والفضائيات المصرية والعربية تفرد مساحات مبالغا فيها فى صفحات وبرامج الفن لمتابعة واجب العزاء وقبلها تشييع الجنازات، والجمهور على الجانب الآخر صار نهما وهو يبحث عن دموع ومشاعر النجوم الحقيقية بعيدا عن الشاشة. عدد من النجوم والفنانين أصبح يحدد حجم أحزانه باحتمالات وجود كاميرات تليفزيونية وصحفية لتغطية الحدث.
عندما رحل الناقد والكاتب السينمائى الكبير أحمد صالح، لم يذهب أغلب النجوم والنجمات فى عزائه، وذلك لأن التغطية الإعلامية حتى فى المؤسسة الصحفية العريقة التى كان ينتمى إليها الأستاذ أحمد صالح وهى «الأخبار» لم تمنحه إلا مساحة صغيرة جدا لا تليق باسمه ولا عطائه.. بينما كان القراء والمشاهدون يتابعون رحيل المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ، وبعدها النجم الكبير أحمد رمزى، فتوافد العشرات على تقديم العزاء.. جزء من الفنانين عادة يحسبها قبل أن يغادر بيته تبعا لهذا المؤشر.
ولهذا فإن أغلب الفنانين الذين أسهم أحمد صالح صحفيا وناقدا وكاتبا فى صناعة نجوميتهم لم تعثر لهم على أثر فى عزائه.
يظل الفنان يبحث عن تلك البقعة من الضوء، حتى إن بعضهم لو لم يجد ما يثير نهم القراء والمشاهدين يسارع بإطلاق شائعة تعيده مرة أخرى إلى بؤرة الاهتمام.
هل يطلق الفنانون الشائعات على أنفسهم؟ نعم هذا كثيرا ما يحدث، ولكن لا يمكن أن يعترف الفنان بأنه يصنع الشائعة سوف يسارع بالإنكار، مؤكدا أنه يعلم أن هناك أيادى مغرضة فعلت ذلك، رغم أنه قد يكون هو اليد التى أشعلت عود الثقاب وسكبت أيضا البنزين.. أسوأ ما يواجه الفنان ليس أن يُكتب عنه مثلا أنه قدم عملا رديئا، ولكن أن تتجاهله تماما كأنه لم يفعل أو يقدم شيئا، هذا هو أكبر عقاب يوجه إليه.. وكثيرة هى الشائعات التى صنعها بعض الفنانين عن أنفسهم بدأت بعدما خاصمتهم الأضواء، حتى إن بعضهم مثلا ساعد على انتشار خبر موته.. فعلها مخرج عندما كان شابا وعندما رحل قبل خمس سنوات كتبت أنه مات مرتين.
شائعة الزواج والطلاق والحب والهيام تلعب دورا فى إتاحة الفرصة للفنان ليظل على قيد الحياة الإعلامية.. أتذكر أن ابن موزع ومنتج سينمائى شهير عندما بدأ مشواره الفنى نصحوه بأن يخترع لنفسه قصة حب يشغل بها الصحافة مع نجمة شابة، كانت قد حققت نجاحا لافتا، حتى يضمن أن يواصل الإعلام متابعة أخباره وماتت الشائعة ولم تتحقق نجومية هذا الفنان.. أسهمت سعاد حسنى فى مطلع الستينيات مثلا فى سريان شائعة ارتباطها بعبد الحليم حافظ، وكانت الصحف كثيرا ما تسمح بمساحات تروى فيها قصة الحب، ثم مات مشروع الزواج، وقبل نحو 20 عاما فتحت سعاد حسنى النار على نفسها، عندما أشارت فى حديث مع الكاتب الصحفى مفيد فوزى عن زواج عرفى جمعها مع عبد الحليم، ولم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق، فلم تتزوج سعاد من عبد الحليم، ولكن كانت سعاد قد ابتعدت عن الأضواء -وهذا تفسيرى الشخصى- فاتفقت مع مفيد على أن تذكر هذه الواقعة لتجذب القراء لمجلة «صباح الخير»، التى كان مفيد قد تولى رئاسة تحريرها، ودليلى على ذلك أن سعاد صمتت تماما ولم تكن فى حياتها تذكر أبدا تلك الشائعة.. لا هى أكدتها، ولا هى أيضا نفتها.
الذى يحدث الآن هو أنه فى كل ذكرى ميلاد أو رحيل كل من سعاد أو عبد الحليم لا نستمع إلا إلى من يؤكد أو ينفى تلك الشائعة.
فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى تجد فى حفل الافتتاح العشرات من النجوم، حيث الصحافة والفضائيات، وبمجرد أن ينتهى الحفل ويبدأ عرض الفيلم لن تجد أيا منهم، وذلك لأن الكاميرا التى كانت فى الصالة ذهبت إلى الحفل الساهر فشد النجوم الرحال حيث الكاميرا.
هل الفنان يعشق الضوء أو الإبداع؟ أغلب نجومنا يحركهم هذا الوميض، بينما من الممكن أن تجد هذا العدد المحدود منهم الذى يخاصم الكاميرا ويهرب مع سبق الإصرار عن أجهزة الإعلام.
مثلا الفنان الكبير محمود مرسى لن تجد له أى تسجيل شخصى فى الأرشيف المرئى والمسموع والمقروء، كان رهانه فقط على ما سوف يتركه للجمهور على الشاشة.
إنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، وهى أن النجوم يبحثون عن الضوء حتى فى سرادق العزاء!!