يعني إيه مستشار ؟ .. يعني راجل محترم وقور بلغ من العلم مبلغا ، وأصبح ممثلا لقيمة هى الأجدر بالتوقير في حياتنا .. أعنى القانون وقدسيته وعلو شأنه .. وهناك نماذج تُحتذى اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المستشار زكريا عبد العزيز والمستشار هشام البسطويسي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية وزميله ورفيقه على الدرب المستشار محمود مكي وشقيقه المستشار احمد مكي وزير العدل حاليا. وهناك مستشارون لا يمكن بحال من الأحوال ان نقوم لهم احتراما عند السلام ، ولن اذكر أسماء ، فربما لو ذكرت لملأت صفحات كاملة دون أن انتهي من سردها .. غير ان ما لفت نظري بشدة وأدهشني دهشة عجيبة مريبة هو المستشار الغرياني رئيس اللجنة التأسيسية للدستور ، وهو يمسك باستقالة الناشطة منال الطيبي من اللجنة ويتحدث عنها بعصبية شديدة لا تليق بمقامه ، وكأنها زوجته وقامت بخلعه وأحرجته وضربته في مقتل.
تابعت الرجل باهتمام وهالني ما قاله عنها واستهزاؤه بها وسخريته منها وتبشيره لها بالندم والحزن ولطم الخدود، أن تخلت عن مكانها منسحبة من هذه اللحظة التاريخية التي تحدد تاريخ مصر ومصيرها.. وأنها فعلت من وجهة نظر جنابه ما تستحق عليه الشكر أن تنحّت ورحمت اللجنة من وجود فيروس مُعدي بين أعضائها .. فلا يليق بالمقام السامي الرفيع " أقصد اللجنة التأسيسية " ان يضم بين جنباته ناشطة مثل الطيبي ، ومكانها الطبيعي .. بيتها .. تخرّط الملوخية و" تقمع البامية " ، وليس ان تجالس وتشارك قامات كبيرة ، هو - اى الغرياني - على رأسها ، في تحديد مصير بلد بحجم مصر.
كان ناقص على المستشار الغرياني ان يفرش الملاية لواحدة في عمر ابنته .. ويردح لها ويدرّع لها كمان .. ويقول لها : مين انت يا بت يا صايعة عشان تفتكري نفسك مهمة ولك رأى .. انت مين اصلا عشان تبقي ضمن اللجنة التأسيسية .. وبنت مين في مصر عشان تعترضي وتقولي رايك في جهابذة العلم والقانون .. هو خلاص الدنيا حتمشي بضهرها .. خلاص الانصاص قامت والقوالب نامت .. ونبي تتنيلي على عينك وتشوفي لك اى داهية تداري نفسك فيها .. ياتك القرف عليكي وعلى اللي عمل لك قيمة وضمك للجنة عشان تبقى راسك براسي .. والله سوف تندمين اشد الندم على هذه الفعلة الشنعاء التي حرمتك بغبائك الواضح من مشاركة سادة القوم واسيادهم في تحديد ملامح مصر في الخمسين سنة القادمة.
تخيلوا مستشار بحجم الغرياني - وأعرف انه قامة وقيمة - تنفلت أعصابه على هذا النحو المضحك لمجرد ان واحدة محترمة مش عاجبها اللي بيحصل .. فلم ترض لنفسها ان تشارك من وجهة نظرها في وضع دستور مسخرة لحكم البلاد .. يا سيدي المستشار الجليل.. هى حرة .. واحدة معترضة على ما تراه وتحسه وتشعر به في أمر مصيري كهذا الأمر ، فانسحبت بأدب واحترام .. لا راحت فضائية وفرشت الملاية وفين يوجعك .. ولا " قلّت أدبها " على حد .. أقوم انا - وانا مستشار - اشرشح لها بالطريقة دي؟!
.. لكن من الواضح ان هذا النهج سيكون هو النهج السائد فيما هو قادم .. " نظام خدوهم بالصوت قبل مايغلبوكم " .. وكأن الغرياني يدرك تماما ما هو حادث خارج اللجنة التأسيسية ، وماذا يقول عقلاء الامة عن الدستور الجديد .. الذي هو الآن المادة الرئيسية على موائد الفضائيات في جميع برامج التوك شو.
شعرت من عصبية الغرياني غير المبررة والتي لا أجد محلا لها من الإعراب ان ما سوف تنتهي إليه اللجنة سوف يُطبق .. بالذوق بالعافية سوف يُطبق .. واللي له شوق يقول حاجة .. يقولها بعيد عننا .. هو ده الدستور الجديد .. وهو ده النظام .. واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيطة اللي تعجبه .. بلاها بقى عنجهية فارغة وثورة وثوار ونشطاء .
خلاص خلصت.. المسرحية انتهت والستارة نزلت والثوار روّحوا بيوتهم .. ومابقاش في الميدان غير الترزية والخيّاطين اللي " بيخيّطوا " الهدوم الجديدة .. واللي برضه بيخيطوا " بق " اللي نفسه يلبسها .. ويحس ان العيد بقى عيد بجد!!!