ضاربًا عرض الحائط بكل منصب حكومى قد يكون فى انتظاره عقب انتهاء مدة خدمته فى مجلس الدولة، فضل المستشار مجدى العجاتى أن يذكره جميع قضاة مصر بأنه قاضى وحامى الشرعية، ففى آخر يوم له على منصة المحكمة الإدارية العليا قبل انتقاله إلى القسم الإفتائى بالمجلس رئيسا للجنة الأولى للفتوى «تقدِّم المشورات القانونية لعدد من الوزارات السيادية»، حرص العجاتى على أن يسجل اسمه بأحرف من نور فى سجل القضاة الشرفاء الذين ينتصرون للقانون وينحازون إلى العدالة مهما كانت المغريات، ففى الوقت الذى توزع فيه المناصب القيادية فى البلاد على مستشارين حديثى الخبرة من أصحاب الحظوة وربما اللحية من تلامذته بمجلس الدولة، أصدر العجاتى 5 أحكام قضائية تؤكد زوال الوجود القانونى لمجلس الشعب وحجية أحكام المحكمة الدستورية العليا وضرورة التزام جميع الهيئات القضائية بها. المتابعون لمسيرة العجاتى على منصة القضاء كانوا على يقين أنه لن يخشى فى القانون لومة الجماعة الحاكمة، فرغم استيائه من التصريحات التى أطلقها قياديو جماعة الإخوان المسلمين عن عودة مجلس الشعب بحكم قضائى، وإصراراهم على ترديدها فى كل وسائل الإعلام حتى يصدقها الناس فإنه اعتبر أن مثل تلك التصريحات من شأنها أن تسهل مهمة القاضى الفاسد الذى يضع فى حسبانه هوى الحكم ورضاه، وهو ما جعله يحرص وباقى تشكيل دائرته على عدم التعليق على تلك التصريحات أو إظهار امتعاضهم منها، ورغم أنه من أكثر المرحبين بتغطية وسائل الإعلام لجلساته فإن جلسة الإخوان حرص العجاتى على أن يمنع عنها التصوير، ولحرصه الشديد على إنجاز أكبر قدر من القضايا المنظورة أمام المحكمة فى عهده فضل العجاتى أن يقسم الدائرة إلى قسمين، قسم يتداول فى عدد من الدعاوى القديمة المنظورة أمام المحكمة حتى تصدر فيها أحكام، وقسم آخر يباشر نظر الدعاوى، وهو ما جعل العجاتى يتغيب عن ترؤس الجلسة التى أكد قياديو جماعة الإخوان المسلمين أنها ستشهد عودة مجلس الشعب، وبينما يسرف محامو الجماعة فى تقديم مبررات تؤكد عدم صحة حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، كان العجاتى يسطر مبدءا قضائيا يلزم جميع الهيئات القضائية بالالتزام بأحكام «الدستورية العليا» وما رتبه قضاؤها من آثار ليس فى حل مجلس الشعب فقط وإنما فى كل القضايا المتعلقة سواء بقانون أو لائحة أرست فى شأنها «الدستورية العليا» حكما، انحياز العجاتى إلى العدالة هو نهج طالما أكدته أحكامه، فهو صاحب الحكم الأشهر فى تاريخ مجلس الدولة بحل الحزب الوطنى، وكذلك هو صاحب الحكم بأحقية رجال الحزب الوطنى فى الترشح للانتخابات تحقيقا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ما دام لم يثبت فى حقهم بموجب حكم قضائى نهائى ضلوعهم فى إفساد مصر وما دام لم يُسَنّ تشريع يحدد المعايير التى تستدعى منع أىٍّ منهم من ممارسة حقوقه السياسية، وبنفس النهج من إعلاء قيمة القانون وتقديسه لوظيفة القاضى، اعتذر العجاتى عن ترشيح رئيس مجلس الدولة له لعضوية الجمعية التأسيسية المخوَّلة بكتابة الدستور الجديد، إيمانا منه بأن القاضى لا يكفى أن يكون عادلا وإنما ينبغى أن يكون إنسانا له مواصفات خاصة وسمات فريدة لا تتوافر فى الكثيرين أهمها أن يجعل من العمل أولوية أولى بالنسبة إليه وباقى اهتماماته فى المرتبة الثانية، وهو ما يجعلنا لا نستغرب عندما يصدر العجاتى حكما فى قضية تشغل الرأى العام فى أول جلسة لنظرها أمام المحكمة، أحكامه كانت أحد المحركات الرئيسية لقيام ثورة 25 يناير ضد نظام مبارك الذى كان لا يعير أى قيمة لأحكام القضاء.
على مدار 42 عاما من العمل داخل مختلف أقسام مجلس الدولة أصدر العجاتى آلاف الأحكام التاريخية التى اهتم فيها بأن ينطق بلسان رجل الشارع البسيط الذى لم يجد من يستمع إليه خلال سنوات حكم مبارك سوى القضاء العادل، فمكَّن أهالى جزيرة الوراق من أراضيهم، وقضى بعودة صحيفة «الشعب» الناطقة بلسان حزب العمل عام 2000، كما أوقف ترخيص جريدة «النبأ» بعد نشرها صورة لأحد القساوسة المشلوحين أدت إلى تفجر أزمة طائفية، ورفض تعطيل المسار الديمقراطى داخل نقابة الصحفيين، وترأس العجاتى الدائرة الأولى لفحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا منذ 2009 خلفا للمستشار إبراهيم الصغير الذى لم يستمر فى رئاستها أكثر من عام عُرفت فيه أحكام «الإدارية العليا» وقتها بأحكام الحكومة حيث ألغت المحكمة برئاسة الصغير جميع أحكام القضاء الإدارى الصادرة لصالح المواطنين ضد الحكومة بوقف تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل وبطرد الحرس الجامعى التابع لوزارة الداخلية من جامعة القاهرة... ليعيد العجاتى ثقة المواطنين فى أحكام «الإدارية العليا».
كفاءته وخبرته القانونية الفذة إلى جانب قوة شخصيته جعلته أهم قضاة المحكمة الإدارية العليا وربما مجلس الدولة بأقسامه الثلاثة على مدار 3 سنوات.
منذ التحاقه بالعمل بمجلس الدولة عام 1970 بعد تخرجه فى كلية الحقوق جامعة القاهرة بتقدير عام جيدا جدا مع مرتبة الشرف ليلتحق بهيئة مفوضى الدولة ثم إلى محكمة القضاء الإدارى لم يتعامل مع القانون بمعزل عن تطبيقه على المجتمع وظروفه فدائما ما يذكر فى حيثيات أحكامه ما ينم عن معايشته للقضية المعروضة أمامه، أول أحكامه ذات الطابع الجماهيرى أصدره عام 1997 باستحقاق الموظف فى سن المعاش رصيدَ الإجازات التى لم يحصل عليها خلا مدة خدمته، وهو الحكم الذى استفاد منه وقتها قرابة ال4 ملايين موظف، وكلَّف الدولة ملايين الجنيهات، ترأس العجاتى المكتب الفنى للجمعية العمومية لقسمَى الفتوى والتشريع وأسهم فى إصدار عديد من الفتاوى الملزِمة للدولة، وهو من المستشارين القلائل داخل مجلس الدولة الذين تنقلوا بين جميع أقسام المجلس «القضائية والإفتائية والتشريعية» الأمر الذى جعله حجة قانونية لا غبار عليها.