مدرسة برما.. «كل ثلاثاء» كنت أنتظر نجوى عروس عبد المجيد لأقِلّها هى وصديقتيها فى سيارتى حتى استوديو «فينوس» لتصوير العرائس ومنه إلى مقر الفرح فى دار الحرب الإلكترونية. قلت لنجوى «هوّ عبد المجيد مالقاش حاجة غير دار الحرب الإلكترونية؟ إيه جو البلاى ستيشن ده؟»، فقالت «شكله ناوى يعمل عليا إسكور الليلادى»، فانفجرت ماسورة الضحك الرقيع فى السيارة، ثم مدَّت لى إحدى صديقتيها يدها ب«سى دى» قائلة «ماتشغلنا ده يا أسطى». «أسطى؟» قلت مندهشا، وضعت ال«سى دى»، فانطلق حمادة هلال يصدح قائلا «أنا سبونجى بوب»، ونجوى والبنات يرددن خلفه «بوب.. بوب.. بوب». كنت أخشى اللحظة اللى يضبطنى فيها قارئ محترم وأنا فى هذه الوضعية، قلت لنفسى لن ينقذنى سوى برما، اتصلت به فلم يرد كعادته، صاحت نجوى «ماتشغّل التكييف يا كبير.. الماكياج هيسيح»، كان الأمر فوق طاقتى وكنت أدفع ثمن الصداقة غاليا، كنت أفكر أن ألبس بالعربية فى أقرب شجرة لأنهى هذه المأساة، إلى أن عاود برما الاتصال، فطلبت منه أن يساعدنى فى فرض الصمت على السيارة بأن يوجه بعض نصائحه للعروس، فقال لى «افتح الاسبيكر». قال برما: هييه يا نجوى، تخرجين اليوم من بيت أبيكى وأتمنى لك أن لا تعودين إليه بسرعة. تغيرت الحياة ولا بد أن تعرفى شكل المرحلة القادمة، فبيت الأب تسلية، بينما بيت الزوج تربية، لا بد أن تعرفى يا نجوى أن الرجل ليس رومانسيا للدرجة التى تتخيلينها، وبعد الزواج هناك ثلاثة أنواع فقط من المشاعر يعبر عنها الرجل وهى «أنا جعان، وأنا نعسان، وجووووووون»، فلا ترسمى توقعات عظيمة فتصيبك إحباطات تفسد حياتكما معا، لا تضغطى عليه ب«قول لى كلمة حلوة»، لأن كل الكلام الحلو الذى يمكن أن يقوله لك اختزله فى قراره بأن يتخلص من حريته وخفته فى الحياة، من أجل أن يعيش معك -كما تقول الست والدتك- بالنهار أجير وبالليل خفير، فرحمة به وبكرامتك. وعموما أرجوك يا نجوى ماتقفليهوش لو ربنا فتح عليه بتصرُّف به مسحة رومانسية، يعنى إذا أحضر لك باقة ورورد فلا تبادريه قائلة «شكلك عامل نصيبة»، وإذا قال «واحشانى» فلا تبادريه قائلة «والنعمة انت نصاب»، وإذا فكر أن يغازلك فلا تصديه بغباء جملة «يا راجل وهو ده وقته؟».. الحاجات دى مالهاش وقت يا نجوى. قالت نجوى «هىء.. يتقطع لسانى قبل ما أقول له الجملة دى»، فقال برما: طب يا ريت بالمرة بقى يتقطع لسانك قبل ما تقولى له «شوفت جوز أختى جاب لأختى إيه؟»، أو «مش لو كنت سمعت كلامى كان زمانا…»، أو «هتفضل طول عمرك كده»، أو «شوف زمايلك فى الشغل وصلوا لإيه وأنت لسه مكانك»، إلى آخر هذه القائمة التى قد تعتقدين أنك تزرعين بها الحماس فى قلب عبد المجيد، والحقيقة أنك تزرعين بداخله الغيرة تجاه الآخرين فيعيش «منفسن»، وتزرعين الامتعاض تجاهك فيتحاشاك قدر ما يستطيع، إن كان ولا بد من حوار قائم على بث الحماس فليبدأ بجمل من نوعية «أنا لو كنت مكانك…»، لا تضعيه فى مقارنات أبدا، هل جربتى يوما أن تستمعى إليه وهو يقارن بينك وبين جارتك اللذيذة؟ حلاوة اللسان نصف المحبة يا نجوى، جربى يوما أن تبادريه بجملة، ولو كاذبة، من نوعية «شكلك مرهق» سيذوب بين يديك كحلاوة سبريد، الرجال أطفال يا نجوى والكلمة الحلوة تمنع تحولهم بعد الزواج إلى أطفال شوارع. سيبك من نظرية يغلبك بالمال تغلبيه بالعيال، فهى ليست خناقة، وسيبك من نظرية أقرب طريق لقلب جوزك معدته، لأن بطريقتك فى التزغيط سيطفح كل ما قدمتيه له فى هيئة أدوية للسكر والكوليسترول، ولا تفكرى يوما أن تعامليه بتحفز «يا مآمنة للرجال يا مآمنة لمدرب الأحمال»، توقع الغدر يمهد له الطريق. أوصيك يا نجوى بأن تؤجلى كل رد فعل ينم عن غباء فى أول ستة أشهر، واستمتعى باستكشاف أن الرجل يختلف عن المرأة تماما، عندما يقول لك «هنروح السينما عازمك على فيلم جامد» فلا تنزعجى إذا وجدتيه فيلم رعب تجرى فيه المسوخ خلف مسوخ أخرى، وإذا تقوقع على نفسه لا تقتحميه واتركيه ليستعيد صفاء ذهنه ويعيد شحن بطاريته بمفرده، ولا تبدى امتعاضك من فعل رجالى بحت لا علاقة له بك من قريب أو من بعيد، يحتاج الرجل إلى العزلة، وليس فى الأمر إهانة لك، أو إشارة على وجود أخرى فى حياته، اللى يعرفك يا نجوى مستحيل يقرب من أى ستات تانى أبدا. كونى كوميدية ولا تكونى أراجوزا، والفرق معروف طبعا، ولتمتلكى دائما وجهة نظر مؤيدة مرة ومعارضة مرة واستفهامية مرة، المهم أن يكون لديك واحدة تشعره بأن استشارتك ضرورة مقتنع بها لا فرض يقوم به لتجنب العقاب، فليكن غرامك من منطلق نظرية «الرى بالتنقيط»، فلا داعى للدهولة أو للجفاف، وكما تحسنى اختيار أحمر الشفاه أحسنى اختيار الوقت المناسب لفتح كل موضوع، وليكن فى معلومك أن أول 30 دقيقة بعد عودته إلى المنزل هى الأخطر، فعلى حسب الأجواء التى ستسقبلينه بها سيتحدد مصيرك لبقية اليوم، لا تسرفى فى الكلام حتى ينزف من أذنيه، ولتتدربى على الدخول فى الموضوع مباشرة، وإياك أن تسأليه يوما «أنا تخنت؟».. الرجل يكذب طول النهار وبييجى فى دى وبيبقى صريح وأمين مع نفسه. لا تتعاملى مع عبد المجيد قطّاعى، لكن تعاملى معه بالجملة، أكثر ما ينفِّر الرجل من زوجته أن يراها تبتلع كل ما فعله من أجلها فى لحظة مثل الشاب بتوع «أبووويييا»، لا تجعلى كفة موقف طارئ أو كلمة عابرة تطب فى مقابل تاريخ كامل من اللطافة والرجولة، إذا خسر فى مباراة لا تعاقبيه كأنه خسر بطولة. فى النهاية أقول لك قول أم برما: لو كان هوّ بحر خلّيكى انتى سد.. (عشان بس مايغرقلناش الشقة)، ماترديش عليه ساعة غضبه عشان تعرفى تاخدى منه اللى انتى عايزاه ساعة رضاه، وحطى أهله فوق راسك يحطك هو جوه عينيه، وأخيرا عامليه بحنيّة يعاملك بشهامة. كنا نقترب من محل التصوير وكان عبد المجيد يلوّح لنا من بعيد، قال برما: ربنا يهنيكو ببعض، لم يرد أحد عليه، التفتُّ فوجدت نجوى فى سابع نومة هى وصديقتيها، سألنى برما: هوّ فيه إيه؟، قلت له: لأ ده العروسة غفّلت شوية بس عشان تقدر تواصل، ضحك برما ثم قال: ليلتك سودة يا عبد المجيد.