لا أعرف من صاحب فكرة (عدم التعليق علي أحكام القضاء)، وحاولت بالأمس أن أعرف هل هي قاعدة قانونية يخضع مخالفها لمحاكمة أو أنها مجرد عرف إعلامي، الغرض منه الحفاظ علي قدسية القضاء؟! التعليق علي أحكام القضاء، بل الاعتراض عليها حق يكفله القانون، وإلا ماذا يمكننا أن نسمي الطعون التي تُقدم يوميًا ضد الأحكام القضائية مليئة بالتعليقات من نوعية الفساد في الاستدلال والقصور في الفهم والتطبيق ومخالفة الحقائق؟! إن أحكام القضاء وإن كانت واجبة التنفيذ فهي ليست مقدسة لا يجب التعليق عليها، إذا كنا نعلق علي قضاء الله ونسأله ألاَّ يرده ولكن نسأله أن يلطف فيه.. ألا يعتبر هذا تعليقًا؟، ثم إن المقولة التي يرددها الجميع في البرامج والصحف وهم مقهورون (لا تعليق علي أحكام القضاء) هي في حد ذاتها تعليق يشبه أن تعلق علي شخص سبَّك قائلاً: (ربنا يسامحك)، وإذا كان مبدأ التعليق علي الأحكام مرفوضًا جملة وتفصيلاً فلماذا لا يعاقب من يعلق علي أحكام القضاء بأن يهتف: يحيا العدل في ساحة المحكمة أو أن ينشر إعلانًا مدفوع الأجر يشيد فيه بقضاء مصر الشامخ.. طيب ما هو كله تعليق؟! لا قدسية لأحد، وأفهم ألا نتدخل في عمل القاضي أثناء نظر القضية حتي لا نؤثر في مسار العدالة، وأفهم أن يحظر النشر في قضية ما للهدف نفسه، وأفهم أن نحترم شخص القاضي، نظرًا لثقل المهمة الموكلة له لكن بلا تقديس، يقول النبي - عليه الصلاة والسلام - في صحيح الجامع: (قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة) وهو هنا يقسم القضاة لثلاثة أنواع: اثنان في النار وهما (قاضٍ قضي بالهوي، وقاضٍ قضي بغير علم ) وواحد في الجنة (قاضٍ قضي بالحق)، هناك ثلاثة أنواع، بينهم اثنان يمكننا أن نعلق علي أحكامهما بضمير مستريح؛ لأن أحدهما حكم حسب هواه ومزاجه وليس حسب القانون والثاني أصدر حكما وهو غير ملم بالموضوع جيدًا الأمر الذي يستحيل أن يجعله عادلاً. كل الاحترام لرجال القضاء ورجال الشرطة ورجال الإسعاف ورجال التعليم ولكل الرجال، لكن نسبة الخطأ واردة، والفساد طبع بشري، وليس طبعًا مهنيًا فما الذي يجعلنا لا نراجع القضاء في أحكامه ونلفت نظره لأبعاد قد تكون غائبة عنه؟! أرجو من النائب العام أن يعيد النظر في فكرة منع التعليق علي أحكام القضاء التي تقيد مفكرين وكتابًا كبارًا لا يمتلكون كارنيه نقابة المحامين، لكنهم قادرون علي شرح وتفسير ولفت النظر إلي ما لا يراه كبار هذه المهنة، فالقواعد القانونية وطرق العقاب اختراع بشري، وليست قرآنًا لا نملك تغييره أو الاعتراض عليه، وقوانين عقوبات جرائم النشر والرأي تحتاج لآراء المثقفين والمفكرين بجانب القانونيين لما لها من تأثير في الطريقة التي نفكر ونتحدث ونعمل بها جميعًا، لابد من إعادة النظر قبل أن تصبح الموضة في الأيام القادمة هي إغلاق الصحف والبرامج والمحطات الفضائية، واحدة تلو الأخري، لابد من إعادة نظر حتي لا يصبح الغرض من قاعدة التعليق علي القضاء هي القضاء علي التعليق. ربما لم تجد عزيزي القارئ سطرًا واحدًا في المقال له علاقة بالكابتن شوبير.. بس أنا قلت اللي عايز أقوله.