ربما يكون الوضع الاقتصادي المصري في أزمة، يتفاوت تقدير حجمها ما بين المتفائلين والمتشائمين، ولكن هل يكون الحل بالاقتراض من الخارج، واتباع نفس سياسات النظم السابقة؟ والى أى مدى سيؤثر الاقتراض من صندوق النقد الدولى من عدمه على مصر؟ هذا هو الأمر الذى اختلف حوله مجموعة من السياسيين، الذين أكد بعضهم أن اتباع سياسات الاقتراض من الخارج تضر أكثر مما تنفع، وعلينا البحث عن بدائل أخرى، بينما اتفق آخرون على أنها تضر لكن الوضع الاقتصادى الحرج هو الذى يجبرنا على الاقتراض. الدكتور نبيل عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أشار إلى أنه فى حال عدم إتمام القرض، فإن ذلك لن يؤثر كثيرا على مصر، لأن حكومة الإخوان المسلمين أظهرت أنها تتبع نفس سياسات النظام السابق في الاقتراض، وسوف تحاول السعى للاقتراض من جهات أخرى خارج إطار صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وستستبدل صناديق عربية بهما، مع التعمية على شروط هذه القروض، خصوصا أن هذه الصناديق لا تتحرك وتعطى أموالها إلا بشروط سياسية، قائلا: «هذه هى طبيعه الحلول التى يمكن أن يلجأ إليها الإخوان»، مضيفا أن أغلب ما يفكر فيه رجال أعمال الجماعة فى الوقت الحالى، هو الإستيراد وبعض الأعمال الإقتصادية الصغيرة، ولكن ذلك لن يكون حلا حقيقيا للمشكلة الاقتصادية المصرية.
عبد الفتاح لفت النظر إلى أن استمرار سير الحكومة على نفس سياسات النظم السابقة، خصوصا فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس المخلوع حسنى مبارك، من اللجوء إلى روشتات ووصفات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وغيرهما من الجهات التى تقرض الأموال وتقوم على مبدأ المشروطية، ووضع مجموعة من القيود على حرية صانع القرار السياسي والاقتصادي فى البلاد، سيضر كثيرا بمصر لا سيما أن هذه الروشتات لا تختلف من بلد لآخر، فهي تتغاضى عن الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومستوى التطور بين هذه البلدان، لافتا إلى أن شروط صندوق النقد الدولى التى تطالب الدولة المقترضة بضرورة التراجع عن دعم السلع ودعم الطاقة، والقيام بمجموعة من الإصلاحات الهيكلية التى تتجه نحو مزيد من الخصخصة وتكون أكثر رأسمالية، ستؤدى إلى مزيد من الضغوط الاجتماعية الواسعة على العمال والفلاحين والطبقات الكادحة، وستؤدى إلى انفجار مجموعة من المشكلات الاجتماعية خلال الفترة القريبة والمتوسطة.
عبد الغفار شكر، السياسي البارز ووكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى، رأى أن استمرار حكومة الدكتور محمد مرسى على نفس سياسات حكومات مبارك، في الاعتماد على الخارج والاقتراض لسد عجز الميزانية، سيكون له تأثير سلبى على مصر. مؤكدا أنه حتى في حال إتمام القرض فإن ذلك لن يؤثر كثيرا على الوضع المصري، مع تطبيق سياسات جديدة في الإدارة الاقتصادية.
لافتا إلى أن هناك حلولا كثيرة أخرى على الحكومة أن تلجأ إليها، بدلا من الاقتراض من الخارج والموافقة على شروطه التى ستضر بمصر أكثر مما ينفعها، موضحا أنه على رأس هذه الحلول، أن يتم تعبئة الموارد الذاتية واستخدامها في التنمية المعتمدة على النفس بدلا من الاقتراض من الخارج، وهذا لن يأتى إلا مع تغيير الحكومة سياستها، وعمل بعض إجراءات للثقة فى سياسات الحكومة وأنها تهدف إلى نهضة اقتصادية لراحة المواطنين، فيتم وضع ضرائب على المعاملات الرئيسية وتشجيع البنوك المواطنين على الادخار وغيرها من التسهيلات الأخرى، والتى يمكن من خلالها عمل نهضة اقتصادية حقيقية فى فترة قريبة.
الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، رأى أن الموقف الاقتصادي المصري دقيق للغاية، فهناك عجز فى الموازنة العامة للدولة يقدر ب135 بليون جنيه، أى يصل تقريبا إلى 23 بليون دولار، إضافة إلى أن إيرادات الحكومة أقل من إنفاقها ب130 بليونا، كما أن هناك عجزا في الميزان التجارى المصري لأن صادراتنا أقل من وارداتنا، فإذا كنا نريد استمرار استيرد القمح ومستلزمات الإنتاج ومعدات المصانع فعلينا أن نجد موارد بديلة، خصوصا أن الاحتياطي لدينا 14 ونصف بليون دولار، وهو لا يكفى لعدة أشهر قليلة، ولكن فى حال حصولنا على القرض فإن ذلك سيوفر موارد جديدة، ويتيح لمصر فرصة الاقتراض من جهات أخرى، قائلا: «لو أخذنا القرض هنوفر موارد وهنقدر نقترض، ولكن لو لم نحصل عليه هيكون تدبيرها صعبا، خصوصا أن المصادر المحلية ستكون تكلفتها عالية وسعر الفائدة أكبر بكثير من الصندوق».
مضيفا أن هناك مزايا أخرى للتعاون مع صندوق النقد الدولى، خصوصا أن أيا من المؤسسات الكبرى التى نلجأ إلى التعاون معها، تشترط أن يكون هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولى، كالبنك الإفريقى والدولى والأوروبى، كما أن وجود اتفاق مع الصندوق الدولى يشجع المستثمرين على الاستثمار في مصر، مؤكدا أن هذا القرض ليس قرضا للإصلاح الاقتصادي أو الهيكلي، بقدر ما هو قرض للمرور من الأزمة الاقتصادية الحرجة الحالية.
السيد أشار إلى إلى أنه فى حال عدم إتمام القرض، فإنه علينا تدبير خطة للحصول على موارد بديلة من أماكن أخرى، وذلك سيكون صعبا، خصوصا أن الدول العربية التى يمكن أن تقرضنا كدول الخليج العربي مثل السعودية وقطر والكويت والإمارات لن تستطيع تقديم الدعم الكافي كما أن بعضها كالكويت والإمارات لديها تحفظات على الثورة المصرية.