تعجبت وأنا أقرأ هذا التصريح على لسان مخرج كبير بحجم محمد فاضل، مشيرًا إلى أن «الخواجة عبد القادر» عمل فنى جيد، ولكنه غازل الإخوان.. كيف وصلت رسالة المسلسل التى تتناول الحب إلى قلوب الملايين ولم تصل إلى قلب فاضل؟! «الخواجة عبد القادر» مسلسل يبحث عن الحب بكل أطيافه وتنويعاته «الله محبة».. الخواجة كان يريد العثور على معنى الحياة فوجده فى الحب.. ما أشد حاجة البشر أجمعين إلى ترديد تلك الرسالة.
لم يختر الخواجة الدين الإسلامى بديلاً عن ديانته، ولكنه لم يكن مؤمنًا بدين فوجد الله عندما بدأ يقترب من الإسلام بالموسيقى والوجد.. إنه التواصل الروحى الذى حرك مشاعره إلى الإيمان بالخالق.
«الخواجة عبد القادر» يقدم عمق الإسلام الذى يؤمن بحق الإنسان فى الاختيار.. الإسلام دين الحب ومن أجل الحب جُلِد الخواجة عبد القادر عندما ربطوه فى شجرة وانهالوا عليه بالكرباج، لأنه باح بحبه لزينب فى مشهد يذكرنا بالمسلسلات التى تتناول صدر الإسلام، وكيف أن المؤمنين كانوا يتعرضون للجلد حتى يكفروا بالدين الجديد. الخواجة كان مؤمنًا بحقه فى الحب، ولهذا وجدناه يتحدى بإعلان حبه لزينب.. إنها تفاصيل يقدمها السيناريو ليقود مشاعر المشاهد إلى زاوية الرؤية فما علاقة كل ذلك بالمغازلة!!
المسلسل لا يقف محايدًا تجاه أى تنظيم سلفى أو إخوانى، بل يواجه ومنذ الحلقات الأولى هدم الأضرحة، حيث إن ضريح الخواجة كان هدفًا فى البداية للسلفيين الذين يريدون تحطيمه.. كما أنه يتحدى تطرف الجماعات الإسلامية فى خطه الدرامى الذى يطل على الزمن القديم من خلال الزمن الذى نعيشه الآن.
أهم ما فى هذا المسلسل أنه من خلال سماحة الإسلام والفهم الصحيح للرسالة المحمدية يواجه التطرف.. المسلسل يفضح الزائفين الذين يحاولون أن يلصقوا الإسلام بالعنف والدماء.
المسلسل يحتل المكانة الأولى فى سباق رمضان مع مسلسل «نابليون والمحروسة»، حيث يواصل الكاتب الشاب عبد الرحيم كمال إبداعه بعد «شيخ العرب همام» و«الرحايا».. حالة خاصة من الألق نحن أمام موهبة متفردة ليست فقط فى قدرته على التقاط الفكرة، لكن فى المعالجة الدرامية التى حرصت على المزج بين ثلاثة أزمنة درامية قادها باقتدار المخرج شادى الفخرانى فى أول تجربة له والذى كان على قدر المسؤولية ولم يقدم مجرد حكاية، ولكنه كان يفكر فى تفاصيل الشاشة من موسيقى لعمر خيرت ومدير تصوير مبدع فيكتور كريدى، وعدد من الممثلين مثل أحمد فؤاد سليم الذى له هذا العام ربما أربعة مسلسلات وفى قول آخر خمسة، ولكننا نراه فى حالة ألق إبداعى خاص مع الخواجة، أما السورية سلافة معمار التى توجت أداءها بتلك النظرة التى تفتح مشاعرنا على عالم أسطورى، بينما قدماها الحافيتان تتحركان على الأرض وأحالها المخرج إلى لازمة تتكرر وهى تهيئ مشاعرنا دائما بانتظار موقف غامض.
من المشاهد التى قُدمت بدرجة حرفية عالية عندما قرر الفخرانى أن يبوح بحبه إلى شقيقها فؤاد سليم، واكتشف أن إعلان الحب بحاجة إلى شجاعة كان عليه أولاً أن يمتلكها.
يحيى الفخرانى يضيف إلى الدور الكثير، ولا يمكن أن نتصور فنانا آخر غير الفخرانى من الممكن أن يحلق إبداعيا مع الخواجة.. بث يحيى فى الدور روحه فمنحه حياة.. السكون والطمأنينة الداخلية التى وصل إليها الخواجة كانت هى القيمة الفكرية التى دافع عنها المسلسل.
أراه مسلسلا نحن فى حاجة إليه لكى نزرع فى النفوس سماحة الإسلام لمواجهة هؤلاء الذين يمسكون بالكرابيج مدعين أن هذا هو الإسلام.
مواجهة التطرف الدينى لن تأتى بتلك الأعمال الصاخبة التى كنا نشاهدها فى الماضى، ولكن برؤية عميقة تتناول الحب.
ورغم ذلك فأنا أرى أن هناك من سيغازل بالفعل التيار الحاكم، وعدد من الفنانين من الآن بدؤوا فى إعلان توبتهم عن أى أعمال قدموها من قبل، بل إن الممثل يوسف الشريف يتبرأ من عرض مسلسله «زى الورد» فى رمضان، ويفتخر بأنه فى كل أعماله يراجع مشاهد وملابس زميلاته ولا يوقع على التصوير إلا بعد أن يتأكد من شرعية ملابس الزميلات.. تلك هى المغازلة التى ينبغى أن نرصدها ونفضحها.
أمسك الخواجة بشعاع الضوء فنفذ فقط إلى القلوب القادرة على أن تستقبل الضوء.