فى مثل هذا المكان العام الماضى، كتبت عن الفورم الذى اختاره المؤلف عبد الرحيم كمال لمسلسل «شيخ العرب همام» وقدمه الفنان يحيى الفخرانى، وقتها قلت إن الفورم وحده لا يكفى وكان رأيى أن المؤلف تشعلق بهذا الفورم وظن انه سوف يعبر به الى بر السلامة وكان الحشو من وجهة نظرى اقل قيمة وأن المسلسل اجوف وهذا العام جاء الثنائى الفخرانى وكمال ليقدما معا فورما جديدا فى مسلسل الخواجة عبد القادر والحقيقة أن فورم اليوم افضل وحشوه على نفس القيمة. والمسلسل دسم ويليق بهذا الرجل يحيى الفخرانى الذى مازل الحصن الأخير فى قلاع الدراما المصرية، مع بدايات المسلسل تدرك انك امام عمل مختلف ليس فقط لأنه يدور فى حقبة زمنية مختلفة عن بشر لم تألفهم ولكن لأن كل كلمة سطرت فى السيناريو لها معنى ومخزى وكل حركة لكاميرا محسوبة فنيا بالمقاس، اما أداء ابطاله فهو ليس مفاجأة فأنت أمام عملاق تمثيل اسمه يحيى الفخرانى يحمل معينا من الموهبة لا ينضب ولا يبخل علينا بشىء منها، ودراما بناء وتجسيد مختلف، على ضريح الخواجة عبدالقادر كلمات الامام على حرفت بذكاء لتناسب المحتوى الذى يقدمه المؤلف وهو تحريف محمود «فالناس موتى واهل الحب احياء» هذا هو جوهر المسلسل وهذه هى مكونات الشخصية الشفافة التى يقدمها الفخرانى بولع وهيام وسمو وروح مماثلة، الشخصية التى تطرب وتلين لشعر الحلاج احد اعمدة الصوفية «والله ما طلعت شمسا ولا غربت، الا وذكرك مقرونا بأنفاسى» حتى دون أن يفهم معانى كلماتها، انها الشخصية التى تثور للحق ولا تكذب وتعشق الموسيقى وعشقها طاهر وبرىء، انهم اولياء الله الصالحون وانها كراماتهم، انها الصوفية الحقيقية والخواجة عبدالقادر ذلك الصوفى العاشق بنقائه وصفائه، الحقيقة أن الشخصية التى رسمها عبد الرحيم كمال هذا العام لبطله يحيى الفخرانى تجعلك مبتهجا سعيدا وانت تتابعها وفخورا وانت تفهم ما يريد توصيله من رسالة مهمة فى هذا الزمن العجيب.
ولأننا يمكن أن نستغرق فى جماليات الشخصية والمحتوى الرئيسى للمسلسل الكثير الا أن الركائز الفنية هى الاخرى موجودة ولا يجب اغفالها فلابد من الاشارة الى حضور وفكر شادى الفخرانى فى اول تجربة اخراجية له، حتى إن المزج بين الحاضر والماضى والتقطيع الكثير الذى يحدث فى الحلقة الواحدة لا يجعلك مشتتا وهى حرفية تحسب لصناع المسلسل ولا يمكن أن تغفل ايضا أداء الابطال بداية من الاخت الانجليزية التى تقدمها المخرجة والفنانة نبيهة لطفى وليس انتهاء بدور النجمة السورية سلاف المعمار التى اضافت للدور بإمكاناتها التمثيلية واحساسها العالى بالشخصية، ومرورا بكل الشخصيات التى تراها امامك، غول التمثيل سوسن بدر والهادئ الواثق محمود الجندى والمبدع صلاح رشوان وحتى الاطفال الذين يقدمون ادوارهم بإتقان، ومشاهده التى تسيطر عليك وانت مبهور كثيرة ولا تحصى، على رأسها ذلك المشهد الذى صلى فيه الخواجة عبد القادر اماما للطفل الصغير كمال فإذا بالقرية كلها تصلى خلفه.
الحقيقة انك امام عمل درامى ينتصر للحياة وللحب ويحترم مشاهديه فيضعهم نصب اعينه ويراعيهم وبالتالى يستحق التقدير.