قرار المحكمة الإدارية بإلغاء إسناد وزارة الثقافة إقامة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى إلى المؤسسة التى يرأسها الإعلامى والناقد الكبير يوسف شريف رزق الله، وفتح الباب أمام الجميع، ربما أسعد البعض الذين يعتقدون أن إطفاء نشاط ثقافى لا يشاركون فيه هو المصير الطبيعى المستحَق، كأنهم يرددون على طريقة الشاعر أبى فراس الحمدانى فى قصيدته الشهيرة «أراك عصى الدمع»، إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر!! الواقع أن هناك بالطبع تدخلا قانونيا واستشكالا فى التنفيذ وطعنا فى الحكم ستتقدم به وزارة الثقافة، لأنى أعتقد أن الشؤون القانونية بالوزارة لم تأخذ الأمر بالجدية المطلوبة، حيث إن الوزارة لديها كل المستندات التى تثبت أنها أعلنت على موقعها الرسمى أنها بصدد فتح الباب لكل من يرى كمؤسسة أو جمعية أنه قادر على إقامة المهرجان، وذلك بغرض أن لا تثقل الدولة على نفسها وتترك قدرًا من المرونة للمجتمع المدنى، لكى يتحملوا هم المسؤولية.. أتذكر عند إنشاء هذه المؤسسة أنه طلب منى كل من النقاد الكبار يوسف شريف رزق الله ورفيق الصبان وخيرية البشلاوى وماجدة واصف وأحمد صالح أن أنضم إليهم وسعدت ورحبت، خصوصا أن المؤسسة تضم أيضا عددًا من الشباب المشهود لهم بالكفاءة، مثل الناقد ياسر محب والكاتبين محمد حفظى وتامر حبيب، والمخرجين هالة خليل ومحمد على والفنانة بشرى.. بالتأكيد مصر مليئة بالكفاءات القادرة على إقامة مهرجان وليست فقط هذه الأسماء، بمن فيهم كاتب هذه السطور.. هناك ولا شك من هم مهيؤون أيضا لمثل هذه التظاهرات، ولكن هذه المجموعة بنسبة ما تآلفت برغم الاختلافات التى تحدث بين الحين والآخر فى وجهات النظر، وهذا من الأمور الطبيعية فى ممارسة أى نشاط ثقافى. الحقيقة أن مهرجان القاهرة السينمائى واجه فى العام الماضى موقفًا تفهمه الاتحاد الدولى للمنتجين، الذى يمنح الشرعية الدولية للمهرجانات السينمائية، عندما ألغيت الدورة فى 2011 بعد الثورة خوفًا من حدوث انفلات أمنى، ولهذا أصبحت إقامته هذا العام هدفًا قوميًّا، لأن أكبر وأهم رسالة من الممكن أن تؤكد الاستقرار فى مصر أن يشعر العالم أن الدولة قادرة على عودة حياتها إلى مسارها الطبيعى، وعلى رأسها النشاط الثقافى. المؤسسة المنوط بها إقامة مهرجان القاهرة تعمل منذ عام، وهناك اجتماعات ولقاءات ومفاوضات لتقديم دورة ناجحة برغم ما نشهده الآن من صراع قانونى، ومن حق أى إنسان أن يقيم دعوى، حيث إن جمعية كتّاب ونقاد السينما ادعت أحقيتها بعودة المهرجان إليها، استنادا إلى أنها فى عام 1976 أقامت أول دورة، وهذه حقيقة بالطبع، ولكن المهرجانات ليست إرثا لأحد، كما أن المخالفات التى شابت المهرجان فى بدايته هى التى أدت إلى سحب الشرعية، ومنذ عام 1984 لم يعد للجمعية أى علاقة تنظيمية بالمهرجان وأقيمت دورة استثنائية رأسها المخرج كمال الشيخ وتولى المسؤولية الإدارية والفنية سعد الدين وهبة.. وفى عام 1985 أصبح سعد وهبة هو رئيس المهرجان، وبعد رحيله فى 1998 رأس المهرجان حسين فهمى وتتابعت القيادات لنصل إلى عزت أبو عوف الذى رأس أربع دورات. وبعد الثورة تقدم أبو عوف باستقالته وقررت وزارة الثقافة فى فترة ولاية الوزير الأسبق عماد أبو غازى أن تتحمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية مسؤولية المهرجانات، وهكذا أقيم فى فبراير مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية ويقام فى سبتمبر «الأقصر للسينما الأوروبية»، وفى 27 نوفمبر يَفتتِح مهرجان القاهرة الدولى دورته رقم 35. بالتأكيد يتأثر المهرجان سلبا بتلك المناوشات القانونية وتظل هناك بعض قضايا تحتاج إلى خبراء متخصصين لمعرفة ما هى المهرجانات وهل هى اختراع لشخص وهل مصر لم تعرف المهرجانات قبل مهرجان القاهرة السينمائى؟.. الحقيقة أن أول مهرجان سينمائى مصرى مثلا هو الكاثوليكى للسينما، الذى احتفل قبل بضعة أشهر بمرور 60 عاما على إنشائه، أى أنه يسبق «القاهرة» بنحو 24 عاما والعالم عرف المهرجانات العالمية قبل الحرب العالمية الثانية من خلال مهرجان فينيسيا (البندقية)، وكان موسولينى طاغية إيطاليا هو أول من فكر لأسباب سياسية بالطبع، فى إقامته. شوشرة قانونية تعيشها الحياة الثقافية فى مصر وسوف يحسمها القضاء قريبًا.. وزارة الثقافة خلال أيام قليلة ستدعو إلى مؤتمر صحفى توضح فيه كل هذه الملابسات ولعل مشعلى الحرائق يهدؤون!!