هل تتخيل حضرتك قدر الغم والهم الذي كان فيه نبي الله يونس عليه السلام حين ابتلاه الله سبحانه وتعالى فابتلعه الحوت ؟ هل تتخيل الظلام المطبق والرائحة الكريهة والحالة المزرية الرهيبة، والحركة والتقلب في جوف الحوت ؟ هل تخيلت طعم حامض معدة الحوت، ورائحة جوفه المنتن، والظلام الدامس الأسود في بطنه، وفي عمق البحر، وفي جوف الليل، والشعور بالضآلة والمهانة وكل شئ قذر ؟ ربما لبث يونس عليه السلام في تلك الظروف الغريبة الكريهة ساعات أو أيام، ولكن مهما قصرت المدة التي قضاها؛ فلا أعتقد أن إنسانا يمكن أن يواجه مثل تلك الظروف العصيبة، أو يتحمل مثلها دقائق من حياته، فما بالنا بنبي الله يبتلى هذا الابتلاء القاسي ! فما الذي خطر بباله عليه السلام أن يقوله؛ وعلم الله تعالى أنه يعتقده فنجاه من الغم ؟ (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)- الأنبياء 87 .. (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )- الصافات 143 و144.. هذا هو سادتي دعاء الكرب. أعتقد أن أحوالنا هذه الأيام هي ذات الظروف في جوف الحوت ! الفقر وتدني مستوى التعليم والأمية، والبطالة والأزمات المتلاحقة المتلاقحة، وانهيار الأخلاق والثقافة في المجتمع، العشوائيات والفوضى، الانقسام والاستقطاب، الإهمال والفهلوة، الانفصام بين القول والفعل، الاقتصاد المنهار والبلد المباعة، انتشار المظالم والجرائم، والتشاحن والتباغض، ضعف الانتماء مع كثرة الكلام، خلط المفاهيم وتفشي الجهل، كل هذا وغيره كثير يشكل التحديات الكبرى للعهد الجديد.
وإذا كان رئيس مصر المنتخب الدكتور محمد مرسي قد استهل عهد قيادته للبلاد بتذكير نفسه بيوم الحساب؛ فتلى قول الله تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) - البقرة 281، وإذا كانت كل مؤشرات أحوالنا التي ذكرتها تشير إلى ثقل التركة، وعظم المسؤولية التي تولاها الدكتور مرسي، فنحن وهو مُطالَبون بأن نرفع أكف الدعاء إلى الله، وأن تلهج ألسنتنا بكلمات يونس عليه السلام: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين، فيرفع الله عنا الهم والكرب، لأن الحياة في بطن الحوت أقسى من أن تحتمل، والظروف العفنة في جوفه أنتن من أن نعيشها.. إسلمي يا مصر.