وأنت تقرأ هذه الكلمة ستكون مصر قد تحدد موقفها النهائى بين مرسى وشفيق، وكلنا نأمل أن نعيش الحياة الطبيعية فى ربوع مصر لتأكيد حرص الشارع على استكمال أهداف الثورة، ومن ملامح ذلك أن تعود لمصر عافيتها الثقافية. كثير من اللمحات المضيئة شاهدتها فى ليلة افتتاح مهرجان الإسماعيلية مساء أول أمس، منها تكريم الفنان المبدع صلاح مرعى.. صحيح أن عطاء صلاح فى السينما الروائية يستحق الحفاوة والتقدير، والرجل رحل فى أعقاب ثورة 25 يناير، وفى تلك الأثناء كان من المستحيل أن يتوقف الناس ليسألوا عن القيمة الإبداعية التى حققها، فلم ينَل ما يستحقه، لا فى حياته ولا بعد رحيله، ومهرجان الإسماعيلية حاول أن يقدم ولو جزءا صغيرا من العرفان لهذا الفنان الكبير.
اللمحة الأخرى هى شادى عبد السلام، الفنان الاستثنائى فى تاريخ السينما المصرية، حيث إن صديقه المخرج مجدى عبد الرحمن اكتشف ثلاثة مشروعات أفلام لم يكملها شادى، صوّر مشاهد أول فيلمين ولكنه لم يبدأ فى مرحلة الصياغة الإبداعية لها، والتى تساوى العمل الفنى، خصوصا الفنان التسجيلى الذى تلتقط عينه كثيرا، وبعد ذلك يضع مشاعره على الشريط السينمائى.. الجانب المضىء هو أن مجدى قد وثّق هذه المادة الخام فى الأفلام الثلاثة «الحصن» و«الدندراوية» و«مأساة البيت الكبير»، أطلق على هذه الثلاثية اسم «الطريق إلى الله».. الأعمال لم تكتمل، ولكنها تنضح بروح شادى بتفاصيل موحية تلمح فيها عين شادى التى تستطيع أن تلمسها مكتملة فى أفلام مثل «المومياء» و«الفلاح الفصيح» و«جيوش الشمس» و«آفاق»، وبالمناسبة، أول فيلمين احتفى بهما مهرجان «كان» قبل عامين، وقدم المخرج العالمى مارتن سكورسيزى فى إطار ذلك، كلمة فى بداية تلك الاحتفالية، قال فيها إن شادى يبث فى الشريط السينمائى إحساسه الخاص كأنه ينحت لغة سينمائية مصرية متفردة على خريطة السينما العالمية.
شادى هو أيقونة السينما، والزمن يؤكد أنه العنوان الأبرز حاليا فى العالم للدلالة على السينما المصرية.. التوثيق الذى قام به مجدى عبد الرحمن يستحق التحية، ولكنه كان ينبغى أن يؤكد للجمهور أنه لم يقدم فيلما، نحن أمام مشاهد مصورة لم تصل بعد إلى فيلم متكامل.. كان شادى سيعتبرها بالتأكيد مجرد مادة خام ويعيد المونتاج ويضع الموسيقى، وربما يعيد النظر مرة أخرى فى التتابع، وكما أنهما ليسا فيلمين لشادى، فلا يمكن أن تعتبرهما أيضا فيلمين لمجدى، ولكنْ هو جهد توثيقى يستحقّ التحية أعاد لنا من خلاله روح العبقرى شادى.. ويبقى الفيلم الثالث «مأساة البيت الكبير» الذى يستند فيه إلى ما يرويه أنسى أبو سيف صديق شادى وصلاح مرعى عن سيناريو فيلم «إخناتون» الذى لم يكتمل.. أنسى هو فنان الديكور الذى كان واحدا من ثلاثة عشقوا فن الصورة.
أتذكر أنه منذ عشرة أعوام تَردَّد بقوة أن وزارة الثقافة سوف تنتج هذا الفيلم، تم ترشيح صلاح مرعى الصديق القريب لشادى لتنفيذ المشروع، خصوصا أنه شاركه منذ البذرة الأولى. كان شادى قد كتب ورسم ديكوباج الفيلم، وهى المرحلة التى تسبق التصوير مباشرة، ورغم ذلك قال صلاح مرعى إن شادى كان سيضيف روحه فى أثناء التنفيذ، واعتذر لعدم استكمال «إخناتون».
وهكذا تنازعنى موقفان متعارضان: سعادتى بالاكتشاف، وفى نفس الوقت إحساسى أن هذه الأفلام ليس من الأمانة التاريخية أن تُنسَب إلى شادى، ولا أن نطلق عليها حتى أفلاما!
ويبقى حفل الافتتاح، مثلا الاستعراض الذى استهل به الحفل غلبت عليه العشوائية.. كما أن كلمتى وزير الثقافة محمد صابر عرب ورئيس المهرجان مجدى أحمد على، طالتا أكثر مما ينبغى حيث تنافس كل منهما على خشبة المسرح، بينما كان مدير المهرجان أمير العمرى مكثفا ومباشرا فى تقديم لجنتَى التحكيم دون إهدار للزمن.. فلا وقت للخطابة!
ما أشبه الليلة بالبارحة، حتى لو كانت البارحة تعود إلى آلاف السنين، واكتشفت أن حور محب الرجل العسكرى فى فيلم «مأساة البيت الكبير» أرادها هو أيضا عسكرية.. قدم شادى لقطة فى نهاية الفيلم للفلاح المصرى مستسلما لحكم حور محب، ولكن المصرى الآن لم يعد سلبيا، هتف قطاع عريض من المصريين ولا يزالون: «يسقط يسقط حكم العسكر»!