جامعة سوهاج تعلن النتيجة النهائية لكلية الطب للفرقه الاولي    7 مؤتمرات انتخابية حاشدة لدعم مرشحي مستقبل وطن بالشرقية    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    رئيس جامعة القاهرة يفتتح فعاليات المنتدى الثاني للابتكار الأكاديمي وتحديات سوق العمل    حملات الإشغالات لتحقيق الانضباط المروري بأسيوط    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    تكنولوجيا المعلومات ينظم معسكرا صيفيا لتزويد الطلاب بمهارات سوق العمل    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    روسيا: تسجيل 13 هزة أرضية بقوة 5 و6 درجات على مقياس ريختر    الصين تطالب بوقف فوري للحرب على غزة وتحذر من تهديد الاستقرار الإقليمي    مفاوضات وهمية | الزمالك يوضح حقيقة التفاوض مع إمام عاشور    "زي زيزو كدا".. الغندور يكشف الرد الحقيقي للزمالك حول إعادة إمام عاشور    بعد عامين.. عودة ترافورد إلى مانشستر سيتي مجددا    ضبط تجميع كميات من البنزين بغرض البيع بالسوق السوداء و زيوت مجهولة بالإسكندرية    73 ألف ترخيص لمزاولة المهن الطبية خلال السبعة أشهر الأولى من 2025    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    ماذا حدث في الساعات الأخيرة ل لطفي لبيب قبل رحيله؟    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    مشروع رعاية صحية ذكية في الإسكندرية بمشاركة الغرف التجارية وتحالف استثماري    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    مصير رمضان صبحى بقضية التحريض على انتحال الصفة والتزوير بعد تسديد الكفالة    الهلال الأحمر المصري يرسل قوافل "زاد العزة" محمّلة بالخبز الطازج إلى غزة    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    موجات تسونامى تصل إلى 15 مترا فى سواحل كامتشاتكا عقب الزلزال العنيف    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    صلاح أساسيًا.. سلوت يعلن تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما مارينوس وديًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فحوى رسالة " الحية" !?    فرانشيسكا ألبانيزي عن فرض واشنطن عقوبات عليها: ستضرني لكن التزامي بالعدالة أهم من مصالحي الشخصية    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية فى أوسيم    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    انخفاض أرباح مرسيدس-بنز لأكثر من النصف في النصف الأول من 2025    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    الإمارات: حل الدولتين هو الخيار الوحيد من أجل سلام مستدام    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة إلي المستقبل
صلاح مرعي: عازف الديكور والحياة
نشر في الأخبار يوم 14 - 03 - 2011

كان علي أن أقطع سلسلة مقالاتي عن ثورة 52 يناير لأودع واحدا من أكثر من أحببت في حياتي فاعذروني.
رأيت صلاح مرعي لأول مرة في مكتب فنان السينما الرائع شادي عبد السلام كان ذلك ذات مساء من بدايات عام 5791 كنت طالبا في السنة النهائية في قسم الصحافة بكلية الاعلام بجامعة القاهرة وكان فيلم شادي »المومياء« قد بدأ عرضه في عدد من دور السينما بالقاهرة.
يذكر من شاهدوا الفيلم في تلك الأيام أنه جاء كقنبلة سينمائية ناعمة وموسيقية شديدة الرهافة.
اعتبره »جون راسل تايلور« اكبر ناقد إنجليزي في ذلك الوقت انه »أهم فيلم خرج من القاهرة الإفريقية«.
ذهبت إلي شادي في مكتبه في شارع 62 يوليو بوسط البلد لأجري معه حديثا حول فيلمه المدهش نشر الحديث في جريدة »صوت الجامعة« يوم 71 فبراير 5791 بعنوان »المومياء ليس فرعونيا« وعنوان فرعي »الطلاب هم الطريق الي سينما طليعية« كان يحرر هذه الجريدة ويصدرها طلاب كلية الاعلام كل يوم اثنين من كل اسبوع تحت إشراف أستاذنا العظيم جلال الدين الحمامصي.
دخلت من باب الشقة التي كانت مكتبا لشادي لأجد علي يميني حجرة مفتوحة علي صالة بعدها.
في هذه الحجرة وجدت منضدة كبيرة عليها »أباجورة« مضاءة يقف بجوارها شاب منكب علي ورقة رسم عليها مسطرة طويلة وممسك بيده قلم رصاص سلمت عليه فعرفني بنفسه: صلاح مرعي.
لم تكن انحناءته علي المنضدة تظهر طوله الفارع ولا وجهه الخمري، لكن شعره الطويل نسبيا كان ظاهرا عرفت أنه يساعد شادي في تصميم الديكور والاكسسوارات وأن شادي كان أستاذا له في قسم الديكور بمعهد السينما.
بعد قليل دخلت سيدة رقيقة الجسد والروح تحمل علي يدها طفلا رضيعا عرفني عليها بأنها زوجته »رحمة منتصر« التي اشتهرت فيما بعد بكونها من أفضل فناني المونتاج السينمائي وأن الرضيع الذي تحمله علي يديها هو ابنه الأول.
هكذا بدأت رحلة صداقة بيني وبين أسرة صلاح مرعي واقع الأمر ان ارتباطي في السنوات الاولي من هذه الصداقة كانبشادي نفسه الذي كان أستاذا في نسج الصداقة مع تلاميذه تعرفت عليه كصحفي شاب في مقتبل حياته واستمرت علاقتي به حتي مات كنت اذهب إليه في كل الأماكن التي يعمل فيها: مكتبه بوسط المدينة وستديو نحاس واستديو مصر ومركز الفيلم التجريبي الذي أداره في أكاديمية الفنون بالهرم هناك أيضا رأيت الممثل الرائع أحمد زكي لأول مرة.
في كل هذه الأماكن كنت ألتقي بصلاح مرعي كان اقرب لي سنا من شادي وكان يعمل معه في تلك الفترة في تصميم ديكورات واكسسوارات فيلم »إخناتون« الذي كتب له القصة والسيناريو شادي عبد السلام ولم ير النور أبدا.
في سنوات التسعينيات من القرن الماضي كنت مديرا لصندوق التنمية الثقافية وجاءني صلاح ذات يوم يحمل معه سيناريو فيلم »إخناتون« كان شادي قد توفي، وقال لي صلاح فيما اذكر أنه اقترح علي أخوة شادي بأن تقوم وزارة الثقافة ممثلة في الصندوق بإنتاج الفيلم بمفردها ان تمكنت أو بمشاركة أي طرف آخر تتفق معه وأكدت لي أخت شادي وأخوه هذا الاقتراح لكن الصندوق لم يتمكن من إنتاج هذا الفيلم ولم يجد من ينتجه أو يشارك في إنتاجه ربما بسبب عوامل ثلاثة:
- اشتراط صلاح وأسرة شادي بالالتزام التام بالسيناريو الذي كتبه شادي وبدون أدني تغيير.
- صعوبة العثور علي مخرج ينفذ هذا السيناريو غير شادي نفسه حتي إننا فكرنا في أسماء مخرجين أجانب رغم وجود رفض لفكرة أن يقوم مخرج أجنبي بإخراج الفيلم.
- ضخامة ميزانية إنتاج مثل هذا الفيلم والتي لم تكن تقدر عليها شركات الانتاج المصرية ولا وزارة الثقافة.
خلال فترة إدارتي لصندوق التنمية الثقافية نظمت مهرجان السينما الروائية ثم انضمت اليه أفلام التسجيلية ليصبح اسمه »مهرجان السينما المصرية« وذلك قبل أن تنفصل السينما التسجيلية مرة أخري وتدخل في مهرجان »الاسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية« الذي نظمه صندوق التنمية الثقافية أيضا وشغل فيه صلاح منصب نائب رئيس المهرجان وتعاون معي أكثر من مرة علي ما أذكر في مهرجان السينما المصرية وشارك في عضوية لجنة التحكيم وعندما بدأ الصندوق ينظم سمبوزيوم النحت الدولي في أسوان بقيادة النحات الكبير آدم حنين ساعده من أول عام صديقنا المشترك الفنان صلاح مرعي.
أظهر صلاح مواهب متعددة علي ارفع مستوي في تنظيم هذا السمبوزيوم كان يشارك في النواحي الادارية والتنظيمية والفنية والمطبوعات ويخرج حفل الختام ولا أنسي ذات مساء ونحن في حديقة الفندق الذي يقيم فيه المشاركون في السمبوزيوم بأسوان رأيت ابن وبنت صلاح وكانا صغيرين يساعدانه في تعليق أضواء ملونة وتوزيعها علي شجر الحديقة كان نموذجا في التواضع ورقة المشاعر وكان فياضا بمشاعر الحب يغدق بها علي كل من حوله.
وكانت تجربته الوحيدة في الاخراج السينمائي هي فيلم تسجيلي عن السمبوزيوم ذاته وسماه »آفاق 69«.
وحتي بعد ان توليت رئاسة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري استعنت بصلاح مرعي في عضوية لجنة علمية لوضع أسس ومعايير التنسيق الحضاري للإضاءة والإنارة الخارجية رأس هذه اللجنة صديقي القديم الأستاذ الدكتور بهاء مدكور أستاذ الكهرباء بكلية الهندسة جامعة القاهرة وزامله فيها الصديق القديم فنان كاميرا السينما رمسيس مرزوق وقد صاغت هذه اللجنة أول دليل في مصر وربما في العالم العربي وأفريقيا يوضح أسسا علمية ومعايير فنية لإنارة الشوارع والميادين وإضاءة الواجهات والأعمال الفنية الموجودة في الفراغ العام في مصر واستغرق عملها أكثر من عام.
كل هذا ولم ينفك صلاح عن العمل في السينما المصرية لكنه كان شديد العناية باختيار الأفلام التي يعمل فيها لذلك لم تتجاوز هذه الافلام الثلاثين فيلما علي ما أعتقد طوال حياته كلها من الأفلام المتميزة في تاريخ السينما المصرية مثل أفلام »الجوع، الساحر، عفاريت الاسفلت، أبناء الصمت، وبحب السينما« وغيرها، لم يكن تجاريا يسعي للكسب المادي، علي العكس كان زاهدا في المال ولم يخلف وراءه ثروة تذكر غير ولديه وزوجته، وهم ثروة لا تقدر بمال وفي سنواته الأخيرة أطلق العنان للحيته البيضاء تغطي وجهه واعتقد انه أطلقها أيضا كتعبير عن الزهد.
كان آخر فيلم عمل فيه صلاح مرعي، وهو فيلم »زهايمر« تجسيدا لأخلاقه الرفيعة وروحه النادرة كان يعمل ويعالج من مرضه العضال كان ينتقل بالسيارة بين البلاتوه حيث يصور الفيلم، والمستشفي حيث يتلقي العلاج محتفظا بابتسامته المحببة محافظا علي شموخه الإنساني ومبدعا ببساطة أروع ما تكون.
كان صلاح طوال السنوات الطويلة التي عرفته فيها واحدا من أنبل خلق الله يتمتع بصدق تلقائي يعبر عنه بصوته الخفيض الذي لم أسمعه عاليا أبدا. واحد كان قادرا علي ان يجذب إليه كل من يعرفه ببساطة آثرة. لذا كان واحدا من القلائل الذين رأيت كل من عرفوه يجمعون عليه بلا اختلاف.. هكذا كان صلاح مرعي، وهكذا سيظل ويبقي في قلب كل من عرفوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.