في يونيو 1942 انتصرت قوات المحور بقيادة ثعلب الصحراء رومل على قوات الحلفاء في طبرق، وبدأت جيوش النازي في التقدم نحو الإسكندرية. عندما وصلت الأخبار إلى مصر، اشتعلت الحوارات في أوساط المثقفين والبسطاء كانت القوات البريطانية في حاجة لإعادة تنظيم صفوفها بسرعة، حين ظهرت دعوة بين أوساط بعض المصريين للتحالف مع الجيش النازي بغرض مواجهة الاحتلال البريطاني الذي كان في عامة الستين (من 1882 إلى 1942). وشجعت هذه الدعوة بعض الحركات القومية والفلسطينية التي كانت تدرك الخطر الصهيوني وتريد التحالف مع النازيين الذين وعدوا بالقضاء على اليهود إذا وصلوا إلى فلسطين. على الجانب المقابل، انتفض بعض المثقفين، ومن أبرزهم عباس العقاد، يحذرون من تمكين نظام فاشي عنصري من الانتصار
كان حوار الحانبين يشبه جداً حوار نتبادله في مصر هذه الأيام
مؤيدو هتلر كانوا يقولون: الحل الوحيد للخلاص من 60 سنة احتلال هو أن نؤيدهم مؤقتاً، ثم نتحرر منهم
ومعارضو هتلر كانوا يقولون: إن القيم والفلسفة التي يتبعها النازيون هي شيئ لا يجب أن نسمح أبداً بإنتصاره، لا تصدقوا أنهم سيحررونا من الإنجليز فالحياة تحت حكم النازي ستكون أسوأ ألف مرة من الاستعمار البريطاني الذي نعرفه جيداً
في الهند، أعلن غاندي رفضه المشاركة في المعركة بين المحتل البريطاني وعنصرية النازي، قائلاً: كيف يريدوننا أن نحارب معهم دفاعاً عن الديمقراطية وهم ينكرونها علينا
في 29 يونيو 1942، أعلن رومل سقوط مرسى مطروح، وهرب العقاد إلى أسوان. احتدم الحوار في هذه اللحظة، بما أن هناك قطاع من الشعب يتجه دائماً لتأييد من يظنه سينتصر. لكن الحقيقة كانت أن الحلفاء كانت قواتهم أكثر عدداً وقوة، وكان الألمان يعانون من نقص شديد في الوقود
في مصر، تفاوتت علامات القوة بين الطرفين، وتأرجح تأييد الشارع بينهم، وتناسى المؤيدون والمعارضون أحياناً أن الاختيار هو ما بين جيشين لا يهتم أيهما إلا بانتصاره في المعركة، وتبارى الطرفان في تخويف الأخر من الاستعمار، باعتبار أن من يدافعون عنه هو منتهى الاستقلال!!
على مدار يوليه 1942 دارت معارك طاحنة بين الطرفين حول منطقة العلمين، وتكبد الطرفان خسائر بالغة، وكان هناك مصريين يساعدون الطرفين وسقط منهم ضحايا ومصابون. وعندما رأى تشرشل أن المعركة بحاجة إلى قائد جديد سحب قائد الجيش الثامن وأرسل مونتغومري ليقود قوات الحلفاء فيما عرف بمعركة العلمين الثانية
اعتمد مونتغومري على عدة محاور في الترتيب للمعركة، كان أولها تضييع الوقت، فكلما مر الوقت على جيش رومل في الصحراء كلما ازداد ضعفاً، كان ثانيها قطع الوقود، وثالثها تسريب خريطة مزيفة للجيش الألماني اعتقد بها أنه يعلم مواقع الحلفاء وقام على أساسها بعدد من الهجمات التي أضرته بأكثر مما أفادته هل يبدو كل ذلك مألوفاً؟؟ في ستبمبر 1942 غادر رومل أفريقيا لأسباب طبية وتولى قيادة الجيش بديلاً عنه القائد فون شتومة أخيراً، في أكتوبر 1942، وقعت معركة العلمين الأخيرة، كانت قوات الحلفاء متفوقة في كل المجالات على قوات المحور، وبعد هزيمة سريعة وموت فون شتومة، يصل رومل ليعيد تجميع جيشه ويقاوم بضراوة لأيام قبل أن يأمر جيشه بالإنسحاب رغم أوامر هتلر بالصمود حتى النهاية
كانت معركة العلمين هي بداية النهاية لنظام النازي وللحرب العالمية الثانية، وعاد بعدها رومل للقتال مدافعاً عن خطوط الألمان التي أخذت في الانهيار، وازدادت انتقاداته لهتلر حتى اعتقل بتهمة التآمر على قتل هتلر وأجبر على الانتحار في أكتوبر 1944، وبعدها بستة أشهر قتل هتلر نفسه وسقطت النازية بعد أن تسببت في مقتل الملايين
وماذا عن مونتغومري والبريطانيون؟ تراجعت بريطانيا عن كل وعودها بمنح الاستقلال لمصر والهند، واستمرت معركة الاستقلال حتى استقلت الهند وانقسمت في 1948 وقامت في مصر ثورة العسكر في يولية 1952، بعد عشر سنوات من معركة العلمين. أما مونتغومري، فقد أعلن تأييده لاحقاً لنظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وديكتاتورية ماو تسيدونج في الصين. واستمرت بعدها قوى الحلفاء - برغم تشدقها بالديمقراطية، ومع حفاظها على الحريات الأساسية - في توجيه السياسة العالمية واستخدام القوة في صراعات إقليمية تفيد مصالحها، واستمرت في الصمت على الديكتاتوريات في العالم طالما اتفقت مع خططها
لماذا أحكي لكم كل ذلك؟
لا أحد يعرف ما الذي كان من الممكن أن يحدث لو انتصر النازيون في معركة العلمين وتمكنوا من التحكم في قناة السويس، ربما كنا سنستقل سريعاً من الاستعمار البريطاني وربما كنا سنتعلم من الألمان حرفيتهم ونشاطهم وتفوقهم، وربما كانت أفكار النازية، بما فيها من احتقار للعرب، كانت ستصبح حقيقتنا الجديدة
لا أحد يمكنه أن يلوم من قام بدعم الإنجليز خوفاً من النازيين الذين سبقتهم سمعة تعبر عن كراهيتهم للأخر ورفضهم له لكن لا أحد أيضاً يمكنه أن يلوم من رأى - لأسباب وطنية خالصة - إن دعم الألمان هو خلاص من مستعمر لا رحمة عنده ولا شرف، مستعمر بقى جاثماً على قلوب المصريين 60 عاماً
وهو أقوى وسيفوز في الأغلب، وسيسحب كل وعوده الجميلة بمجرد انتصاره في كلا الحالتين، وأنت تنتخب رومل أو مونتغومري، وأنت تحتفل بفوز مرشحك لا تنسى أن تصرخ بأعلى صوتك .. مصر محتلة، مصر محتلة ولن تأتي الحرية التي نطلبها من معركة العلمين أياً كان الفائز