فى جلسة عنيفة، خصصت للتعليق على الحكم الذى أصدره المستشار أحمد رفعت على الرئيس المخلوع ورموز نظامه فى قضية قتل المتظاهرين، شن نواب البرلمان هجوما عنيفا على السلطة القضائية والقضاء، وصلت إلى حد توجيه الاتهامات إلى المستشار أحمد رفعت تطول سمعته القضائية، وهو مسلك لم يتخذه البرلمان للمرة الأولى، فقد سبق أن خصص جلسات غيرها للهجوم على السلطة القضائية. مناقشات البرلمان فى جلسة أول من أمس، أثارت غضب القضاة، الذين اعتبروها تدخلا فى أعمالهم بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما دفع المستشار هشام رؤوف، الرئيس فى محكمة استئناف القاهرة، إلى أن يقول إن ما حدث من البرلمان وتخصيصه جلسة كاملة لتناول الحكم الصادر ضد الرئيس السابق ونظامه كان به كثير من التجاوزات من أعضاء البرلمان، مضيفا ل«الدستور الأصلي» كنا نتمنى أن لا يقع أعضاء البرلمان فى هذا الخطأ مهما كانت الدوافع التى لديهم نبيلة، حيث إن واجب كل سلطات الدولة وكل فئاته وطوائفه الحفاظ على ما بقى من مؤسسات الدولة قائمًا، ومحاولة تنميته وتطويره لا هدمه، ومن غير المتصور أن تكون معاول الهدم التى تنال من القضاء المصرى بدايتها بأيدى نواب الشعب الذين نفخر بأن اختيارهم كان بانتخابات حرة، ولا يعقل أن يكون المعبرون عن الأمة هم من يرتكبون تلك الخطيئة».
رؤوف أضاف موجهًا حديثه إلى نواب البرلمان، نحن ندعوهم إلى التذكر بأن الفصل بين السلطات هو قوام الدولة القائمة على الحرية وأن التداخل أو تغول سلطة على أخرى معناه عودتنا إلى الخلف بدلا من تقدمنا لبناء دولة قائمة على سيادة القانون، مضيفا «كنت أتوقع من البرلمان ونوابه أن يقوموا بالدور الأساسى الذى انتخبهم الشعب من أجل أدائه، وهو وضع تصور لتشريع لطالما طالبت الجماهير به وهو محاسبة رموز النظام السابق، وكل من أخطأ فى حق الشعب بعيدا عن المساس بالسلطة القضائية أو التدخل فى عملها بأى شكل من الأشكال، حيث إن لديهم الحق الكامل فى التشريع والمحاسبة السياسية فليفعلوها دون التدخل فى عمل السلطة القضائية وأحكام المحاكم، خصوصا أن الحكم لم يصبح باتا حتى الآن والطريق الوحيد للحديث عن الأحكام هو الطعن عليها وانتظار كلمة محكمة النقض فى هذا الحكم، وأتصور أننا إن كنا نسعى إلى بناء دولة قائمة على سيادة القانون أن يكون من دواعى فخرنا أن نسعى إلى احترام الأحكام القضائية.
المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادى القضاة الأسبق، قال إنه يجب على البرلمان احترام السلطة القضائية وعدم التعدى عليها بالقول مثلما حدث فى الجلسة الماضية فى أثناء التعليق على الحكم، مشيرا إلى الأزمة التى وقعت بين نادى القضاة والبرلمان وقت ترأسه النادى، حين وصف المستشار محمود الخضيرى مجلس الشعب الذى كان يترأسه فتحى سرور ب«المنبطح»، مضيفا أنه على إثر تصريحات الخضيرى «قامت الدنيا ولم تقعد»، ولم أقبل وقتها أن يقوم أحد القضاة بالتعدى بالقول على البرلمان، وأنهينا الأزمة بأن قدم الخضيرى اعتذاره إلى رئيس المجلس وقبل رئيس المجلس الاعتذار.
نائب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية المستشار وليد الشافعى، قال إن مناقشات البرلمان تعتبر تعديا على استقلال القضاء، مشيرا إلى أن المادة الأهم فى الدستور المصرى تلك التى تنص على مبدأ الفصل بين السلطات، والتى تجعل كل سلطة مستقلة عن الأخرى وتحدد اختصاصاتها وأعمالها دون تدخل من سلطة فى أعمال الأخرى، مضيفا أن البرلمان بيده التشريع أما القاضى فهو يطبق القانون فقط، والبرلمان عليه أن يبحث مشكلته فى التشريع، لا أن ينتقد حكم القاضى، لأن عمل القاضى يخصه فقط ويحاسب عليه أمام الله، وإذا ما خالف القانون يحاسبه مجلس القضاء الأعلى لا البرلمان.
«كنت أتوقع أن يتحدث البرلمان فى إشكالية كيف تذهب القضايا مهلهلة إلى المحكمة وكيف يتم إخفاء أدلة عنها بالشكل الذى يعيقها عن أداء عملها بدلا من تدخلها فى أعمال السلطة القضائية ومحاولة فرض إملاءات عليها» هكذا علق المستشار هشام جنينة، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مضيفا أن القضاة يدركون أن هناك غضبة فى الشارع من الحكم، لكن لا يجوز لمؤسسة من مؤسسات الدولة أن تسير وراء تلك الغضبة، حيث إن القانون رسم الطريق الصحيح بالطعن على الأحكام، مضيفا «كان الأولى على البرلمان أن يناقش ويطرح قضية مهمة، كأن يطرح التساؤل لماذا الجهات الرقابية وأجهزة الأمن والمخابرات تمتنع عن توصيل الأدلة إلى النيابة والمحكمة كما حدث فى قضية قتل المتظاهرين؟، فهذه الجهات تتبع السلطة التنفيذية التى يقوم البرلمان بمراقبتها، هذا هو الإطار الذى ينبغى أن يوجه البرلمان جهوده فيه، فكيف يحكم القاضى بشىء والورق الذى أمامه شىء آخر؟»، واصفا ما يقوم به البرلمان بأنه هدم للقضاء.