مرة يمين ومرة شمال.. هذا هو حال الدكتور مصطفي الفقي.. ففي اللحظة التي نشعر فيها أن الرجل انضم إلي زمرة المثقفين الوطنيين المهتمين بقضايا بلدهم.. فينطق الحق مهما كابد من معاناة.. نجده وقد عاد للخلف مرة ثانية.. لا أعرف حجم المخزون النفسي للرجل حتي يستطيع تحمل العبء النفسي لهذا التباين. تجاوز الفقي الخامسة والستين من عمره.. لكن لاتزال إحدي عينيه علي السلطة والأخري علي مقاهي المثقفين.. في الأسبوع الماضي وصل الدكتور محمد البرادعي إلي القاهرة.. وتحدث الجميع معارضون ومؤيدون وكان منهم الدكتور الفقي.. وهو الوحيد الذي أنصت له عندما يتحدث عن البرادعي.. لأكثر من سبب.. فالرجلان عملا معا بالخارجية المصرية.. وبينهما اتصال لم ينقطع.. كما أن الفقي يعرف خفايا وتفاصيل علاقة الدولة بالبرادعي والتي غلب عليها الفتور وعدم الترحيب. يعرف الدكتور الفقي أثناء عمله السابق سفيرا لمصر بالنمسا.. كيف رفضت القاهرة ترشيح البرادعي مديرًا عامًا للوكالة الدولية للطاقة.. مما ترك أثرًا كبيرًا في نفس الرجل.. ورغم مرور مايقرب من 15عامًا علي ماجري.. فقد قرر الطرفان «الحكومة والبرادعي» في اتفاق غير مكتوب.. عدم الحديث عن هذا الملف. أحد الذين يعرفون تلك التفاصيل هو الدكتور الفقي.. وقد كشف الرجل الثلاثاء الماضي لإحدي الصحف عن تقدير الرئيس مبارك للدكتور البرادعي حتي إنه قد رشحه للعمل وزيرا للخارجية.. لكن الفقي لم يقل لنا متي حدث ذلك.. لكن يمكن توقع هذا الترشيح زمنيا في فترة خروج عمرو موسي من الخارجية المصرية عام 98. وهي نفس الفترة التي رشح فيها البرادعي نفسه لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة..رغم رفض مصر بل وترشيح سفيرها آنذاك بلندن. بعبارة أخري فإن الدولة عندما عرضت منصب وزير الخارجية علي الدكتور البرادعي.. فإن هذا العرض كان وسيلة إغراء للرجل حتي يستبعد فكرة ترشيحه للوكالة وإعطاء الفرصة لمرشح حكومة مصر البديل.. لكن البرادعي رفض قبول منصب وزير الخارجية..مفضلا الترشح لرئاسة الوكالة.. وزاد عن ذلك بنجاحه ثلاث دورات متتالية. المؤكد أن الأحداث السابقة جعلت العلاقة فاترة بين الحكومة والبرادعي.. ويمكن تشبيهها بجبل الجليد.. الذي لايظهر منه إلا القليل بينما ماخفي منه كان أعظم.. وعندما سألني الأستاذ جابر القرموطي مقدم برنامج «مانشيت».. هل تشعر أن البرادعي عاد لينتقم؟.. فقد تحفظت علي استخدام كلمة انتقام في وصف عودة البرادعي.. لكن لا يمكن نفي الود المفقود بين الطرفين. حاول الدكتور الفقي بتصريحه الأخير تسجيل هدف لصالحه في مرمي البرادعي.. ليصلح ما أفسده بتصريحات سابقة عن الانتخابات الرئاسية والتي أغضبت النظام.. لكن ليته اكتفي بما قاله عن البرادعي.. بل زاد وذهب إلي آخر الشوط إرضاءً للنظام.. فتحدث كيف أن «الاستقرار كويس قوي..وإللي نعرفه أحسن من إللي مانعرفوش»، كما أن «الوقت الحالي لايسمح بإجراء تعديلات دستورية خلال الفترة المقبلة لأننا مقبلون علي انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري ثم انتخابات مجلس الشعب وبعدها الانتخابات الرئاسية.. «مين إذن إللي هيعمل تعديلات دستورية».. وعندما تحدث عن التغيير قال «مصر بلد مستهدف». المؤسف حقا أن رجلا بوزن الفقي يعرف أن مشكلة التعديلات الدستورية ليست في الأسباب التي ذكرها..بل لأن الرئيس لايريد..تلك هي الحقيقة الوحيدة.. لأن الرئيس إذا أراد تعديل كل مواد الدستور..فسيتم ذلك فورا وفي جلسة واحدة. هل يريد الدكتور مصطفي الفقي بتصريحاته الأخيرة عن البرادعي أن يحجز مقعدًا له في البرلمان الجديد؟.