الفارق الواضح بين علي الدين هلال ومصطفي الفقي (مع احترام الألقاب)..أن الأول كان حاسما في قراره ومتسقا مع ذاته..عندما قرر الدخول بقدميه إلي السلطة..أو كما قال إنه قرر الانضمام إلي الحزب الوطني لقناعته أن التغيير في دولة مثل مصر يأتي من داخل السلطة وليس خارجها..بينما كان مصطفي الفقي حائرا في أمر نفسه ولم يبت أمرا..فتارة تجده علي يمين السلطة وأخري علي يسارها..لذا لم ينجح في أن يكون رقما صحيحا داخل السلطة..ولم يحقق حلمه الكبير في أن يصبح وزيرا للخارجية..كما لم ينجح-أيضا- في أن يكون في طليعة المثقفين والمفكرين في مصر -رغم أهليته واستحقاقه لذلك- إنما كان له عينا في الجنة وأخري في النار..لذا لم ينل عنب الشام أو بلح اليمن مثلما يقال. ماجري مع الرجلين يتكرر في كل عصر..قصة معروفة عنوانها علاقة المثقف مع السلطة..وهل هي علاقة اشتباك أم تداخل أم تباعد..وما حجم المسافة التي ينبغي علي المثقف الاحتفاظ بها مع السلطة حتي يتمتع باستقلاليته..في حالة الدكتور علي الدين هلال النجم البارز في الحزب الحاكم وأستاذ السياسة أيضا..لا يمكننا أن نتعامل معه بصفته من زمرة المثقفين..فقد خرج من تلك العباءة برغبته..لأنه ببساطة شديدة لا يريدها..وقرر بإرادته ارتداء عباءة السلطة..حتي أصبح رقما مهما داخلها يبرر قراراتها ويشارك في اتخاذ بعضها..ويبدو الرجل فيما فعله متسقا مع نفسه إلي حد بعيد. ما أقوله ليس نقصا من رصيد الرجل أو إضافة له..بل تقرير واقع لحالة تعيشها مصر منذ 52 حتي الآن..حالة سوف تستمر طالما ظلت طريقة الحكم كماهي..لذا لم يفاجئني هلال وهو يقول في برنامج البيت بيتك..إنه يحاسب نفسه ليلا ويراجعها علي ما فعلته ثم ينام مرتاح الضمير..وهو حديث لا يقوله إلا من اتسقت أفعاله مع قناعاته. علي الناحية المقابلة لا يزال مصطفي الفقي يذكر سطورا داخل مقالاته حول الفترة التي قضاها سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات..كأنه يتذكر ويذكرنا معه أنه كان يوما ما في دائرة الحكم بل أقرب مما وصل إليه البعض..لكن جينات المثقف وقائد الرأي تفسد عليه تلك الذكريات..خاصة بعد أن خرج من السلطة خالي الوفاض..لكن منذ فترة ليست طويلة بدأت شخصية مصطفي الفقي المثقف تظهر..فأصبح يقول آراءه وقناعاته التي يؤمن بها..مثل رأيه الذي كتبه عن محمد حسنين هيكل منذ سنوات..وأخيرا حديثه عن علاقة أمريكا وإسرائيل في قضية اختيار رئيس مصر القادم..لكن السلطة هاجت وماجت عليه بأقلامها..لأنها تعاملت معه بصفته المسئول السابق..وأحد رجالاتها حتي لو كان (ع المعاش) السياسي..ولن يحدث تغيير في نظرة الدولة تجاه الفقي وعليه إدراك ذلك..لأنه سيظل في نظر السلطة المسئول السابق وليس المثقف المخضرم أو قائد الرأي..رغم أن ماقاله الفقي يقول مثله كثيرون وزيادة عنه..لكنهم محسوبون علي المثقفين وليس علي السلطة. وإذا كان الدكتور هلال قد أرضي ضميره ونام قرير العين ليلا..فإن تقديري أن نقيض ذلك هو حال الفقي عندما يدخل فراشه ليلا..لا ألوم الرجلين ولا أمدحهمها أيضا فهذا ليس الوقت أو المكان المناسبين..ولست ناقدا أو معارضا لتجربتهما..لكنهما نموذجان معبران عن حال مثقفينا مع السلطة في مصر وفي دول العالم الثالث..كما أنها الحياة وصراعات النفس البشرية أيضا..ولأن الحياة اختيارات فقد اختار كل منهما بملء إرادته ما شاء..وسارا فيه حتي اقترب القطار من الوصول إلي المحطة الأخيرة..لذا بدا كل منهما يستعيد ويحاول تقييم ما مضي..لكن هل فات الأوان أم أنه لا يزال بقية من وقت لتصحيح جزء مما فات..السؤال لهما؟.