لا يعقل أبدا أن يستمر الوضع على ما هو عليه قبل الثورة وبعد الثورة فى كل مؤسسات الدولة.. من حالة إنكار للشفافية. فلا يعقل أن يذهب وفد للقاء المجلس العسكرى ولا يخرج علينا المجتمعون أو المجلس العسكرى نفسه ببيان واضح وكاشف عما جرى.. وإنما يترك الأمر للتخبط والعمل لصالح أغراض خاصة، يعبر عنها كل فريق أو أصحاب الأصوات العالية أو الأكثرية الميكانيكية ليعبر عما يريد.. ولا أحد يعقب عليه بشكل شفاف.
لقد اعتمد المجلس العسكرى الذى يدير البلاد مبدأ إنكار الشفافية.. وقد تخيل أنه يدير وحداته العسكرية.. وليس مجتمعا مركبا سياسيا واجتماعيا، توّاقا إلى الحرية والديمقراطية بعد ثورة أطاحت بديكتاتور مستبد لم يكن يراجعه أحد فى قراراته أو أهوائه.. وكان كل شىء فى خدمته فقط.
وقد أدى ذلك إلى فشل المجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد وأدخلنا فى النفق المظلم الذى نعيشه الآن.. بعد أن كان الوضع مبشرا بعد ال18 يوما التى سقط فيها مبارك وثقة الشعب فى جنرالات المجلس العسكرى، إلا أنهم لم يكونوا على قدر الثقة.. ودخلوا فى صفقات غريبة مع قوى سياسية لتقاسم «تورتة» الثورة والعمل على إجهاضها.. وأعطوا ظهورهم للثوار فى نفس الوقت الذى يدّعون فيه أنهم الذين حموا الثورة.
وحافظت كل مؤسسات الدولة على حالة إنكار الشفافية التى كان معمولا بها فى النظام المخلوع ومن أجل مصلحة شخص واحد وعصابته.
وحتى الآن لم يعلن البنك المركزى عن حجم الأموال التى هربها مبارك وأفراد عصابته إلى الخارج، وهو لديه كل المعلومات عن حركة جميع الأموال التى تخرج من البلاد أو التى تأتى إليها، ويستطيع أيضا أن يحصل على أى معلومات من البنوك المركزية فى الخارج.
وانتقل مرض إنكار الشفافية إلى المؤسسات الجديدة مثل البرلمان بغرفتيه مجلسى الشعب الشورى.. فلا أحد يعرف حجم المكافآت التى يحصل عليها الأعضاء.. وكذلك مكافآت رئيس مجلس الشعب أو رئيس مجلس الشورى، خصوصا أن المعلومات المتداولة أنهم يحصلون على نفس المكافآت والمخصصات التى كان يحصل عليها فتحى سرور وصفوت الشريف والتى لم يعرفها أحد حتى الآن.. وبالطبع كلها فساد!
وانتقلت حالة إنكار الشفافية إلى الحكومة التى لا يعرف أحد بالضبط مكافآت الوزراء بما فيها المكافآت التى يحصل عليها الوزراء من الاجتماعات داخل وزاراتهم أو الجمعيات العمومية أو مجالس إدارات الشركات التابعة للوزارة وتصل إلى الملايين شهريا!
وبالطبع الحالة المرضية انتقلت إلى مرشحى الرئاسة، فجميعهم فى حالة إنكار للشفافية.. ويلتفون ويدورون حول مواقفهم السابقة والحالية.
فلا يعقل أن يكون حجم الدعاية لعدد من المرشحين بهذا الإسراف.. ولا يكشف عن تمويل ذلك.
فأحمد شفيق يثير الجدل فى مصاريف دعايته، بدءا من دفعه ما يقرب من 23 مليون جنيه لإحدى الشركات الدعائية لتدير حملته الانتخابية، فضلا عن عقده مع إحدى الوكالات التى استطاعت أن تقتنص إعلانات الرئيس فى أفضل الأماكن فى القاهرة والمحافظات، والتى يقال أيضا إنه لم يطلع على العقد سوى أحمد شفيق شخصيا وصاحب الوكالة الإعلانية، وبعيدا عن كل الأعين بما فيها أعين الدولة وهو عقد بملايين الجنيهات.
وقبل ذلك ماذا جنى أحمد شفيق من منصبه الوزارى فى عهد مبارك؟ وكيف حصل على أراضى البناء فى منطقة منتجع أرض الجولف فى التجمع الخامس.
أيضا دعاية عمرو موسى.. فمن أين تلك الأموال؟ رغم أن البعض يعلم أنه حصل على خمسة ملايين دولار من الجامعة العربية كمكافأة نهاية الخدمة.
وأيضا دعاية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، خصوصا أننا نعلم أنه كان يمارس عملا تطوعيا خلال السنوات الماضية.. فمن أين تلك الأموال؟ ومن أصحاب التبرعات؟.
لقد تقدمت الدول وتعاظم دورها من خلال تعامل قياداتها مع شعبها بالشفافية فى أمور حياتهم.
إن آفة الفشل هى إنكار الشفافية.. ونحن نجنى الآن فشل إدارة العسكرى شؤون البلاد لإنكاره الشفافية.