هل يمكن أن تصل الأحزاب والقوى السياسية التى تشارك فى الانتخابات -لو قدر لهذه الانتخابات أن تتم- إلى أن تتفق على تصور جديد للبلد فى المرحلة القادمة؟ بالطبع ليس المطلوب فقط وضع الدستور الجديد.. ولكن وضع تصور عام باعتبار أن المرحلة الانتقالية التى نعيشها الآن لم تحقق أى شىء يذكر فى التمهيد لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة أو حققت شيئا من أهداف الثورة، وإن تحقق شىء كان لا بد من تلوثيه بتصرفات وسلوكيات وقوانين مسيئة.. فعلى سبيل المثال تم حل الحزب الوطنى الفاسد الذى كان يدير شؤون الفساد لنظام مبارك ونجله الطامح فى ورث السلطة بحكم قضائى، لكنه لم يتم اكتماله بمحاسبة المسؤولين عن الفساد السياسى الذين روجوا الفساد، وشاركوا فيه فى العهد السابق، بل بعضهم يعود الآن ليشارك فى الانتخابات ويحاول الحصول على الحصانة أو تشكيل مجموعة ضغط لمنع إصدار أى قانون يمكن به أن يحاكموا على فسادهم.. كذلك تم حل مجلسى الشعب والشورى بمرسوم عسكرى ليفاجأ الناس بعودة «الشورى» مرة أخرى فى إعلان دستورى جديد.. وبانتخابات معقدة، والإصرار على نسبة العمال والفلاحين سواء فى «الشعب» أو «الشورى».. وحتى الآن لم يتم استعادة أى شبر من أرض أو مصنع تم الاستيلاء عليه من رجال أعمال فاسدين كانوا من النظام السابق.. رغم أن هناك الكثير من الأوراق والمستندات والوقائع التى تؤكد حق الدولة، ومن ثم حق المواطن فى تلك الأصول التى حصل عليها الفاسدون بتراب الفلوس مقابل هدايا وعمولات ورشاوى للنظام وعصابته. لم يتم تطهير مؤسسات الدولة من بقايا وأعوان وأفراد عصابة النظام المخلوع.. فتجدهم ينشطون ويثيرون القلائل مثل ما جرى فى الأحداث الأخيرة، التى لن يكون آخرها اعتصام وإضراب أمناء الشرطة.. وبعضهم يعود مرة أخرى إلى تصدر المشهد ولو على طريقة الانتخابات بالطريقة القديمة، كما جرى فى الجامعات ليعود كل رجال الحزب الوطنى وأمن الدولة للسيطرة على الجامعات مرة أخرى، وكأنهم لا يريدون أى إصلاح.. أضف إلى ذلك انعدام الشفافية فى المرحلة الانتقالية الحالية.. فلا أحد يعرف شيئا عن الذين يديرون شؤون البلاد، وكذلك الحكومة ووزراؤها، فلا أحد يعرف شيئا عن حقيقة مرتباتهم.. إى نعم البعض من الوزراء، وهما اثنان على وجه الدقة، هما جودة عبد الخالق وزير التضامن، والدكتور حازم الببلاوى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، أعلنا أنهما يحصلان على 30 ألف جنيه شهريا.. وربما يكون ذلك حقيقيا فى المرتب الذى يحصل عليه من مجلس الوزراء، ولكن هناك من يحصل من وزارته على ما يصل إلى مئات الآلاف ويصل من مليون إلى ثلاثة ملايين من الجنيهات شهريا، كمقابل بدلات ومكافآت ولجان وغيرها.. وهو نفس الأمر الذى كان يحدث مع الوزراء السابقين رغم أن بعضهم كان يقول إنه يحصل على ألفى جنيه فقط. كل ذلك ولم تشعر الحكومة حتى الآن بمطالب واحتياجات الناس الأساسية، فكل شىء فى فوضى.. والأسعار ارتفعت بنسبة كبيرة ولم يتحقق أى شىء من مطالب الثورة بشأن العدالة الاجتماعية، وهى كانت المهمة الأساسية وربما تكون الوحيدة لحكومة تتشكل بعد ثورة عظيمة مثل ثورة 25 يناير، ولكنهم ارتضوا أن تكون الحكومة سكرتارية للمجلس العسكرى. إنها مرحلة انتقالية متخبطة تسير من دون خريطة وبقيادة المجلس العسكرى الذى انفرد بها دون أى خلفية سياسية، كأنه الآن يتدرب فينا.. وهى مش ناقصة.. ولأعد مرة أخرى للسؤال: هل تعى تلك الأحزاب التى تشارك فى الانتخابات ما يدور الآن؟ وما المطلوب فى المرحلة القادمة؟ وهل يمكن اعتبارها مرحلة انتقالية جديدة محددة بأهداف وفترة زمنية يتم فيها إنجاز أهداف ومطالب الثورة من الحرية والعدالة والديمقراطية وبناء مجتمع مصر الحديثة؟ أشك فى قدرة الأحزاب على أن تفعل ذلك، فقد فشلوا فشلا عظيما فى تشكيل قائمة موحدة لخوض الانتخابات.. بعد أن وافقوا على قانون مسىء للانتخابات.. وتخيلوا أن القائمة هى الحل الأمثل، فوصلوا إلى التطاحن فى تشكيل القوائم.. ووصل بعض من تلك الأحزاب إلى ضم الفلول.. وأحزاب أخرى إلى شراء أفراد من الفلول، ودفعوا مئات الآلاف مقابل ذلك، لتكتشف فى النهاية أنها أحزاب تعمل ضد الثورة وأهدافها وتسعى للحصول على منافع شخصية من خلال الانقضاض على الثورة، وانظروا إلى ما يفعله السيد البدوى أو رفعت السعيد أو حتى حزب الإخوان، ناهيكم بالأحزاب التى خرجت من عباءة «الوطنى» المنحل.. فضلا عن ضعف الأحزاب الجديدة بفعل الفترة القليلة التى تشكلت فيها، ولم تستطع حتى الآن تشكيل كوادرها بعد أن اشترت توكيلاتها.. إننا فى حاجة فعلا إلى فترة انتقالية جديدة دون تلك الأحزاب ودون المجلس العسكرى ودون حكومة شرف.