سمعت أن أحد المشايخ المرشحين لرياسة مصر الغالية دفع قرابة خمسين مليونا من الجنيهات المصرية على الإعلانات ليعرف الناس بشخصه، ثم استبعد لعدم استيفائه أحد الشروط . واستوقفنى فى هذا الخبر المبلغ الذى ذهب مع الريح على صور سيادته التى ملأت الشوارع والميادين، وغطت حوائط العمارت، ثم ذهب كل ذلك إلى الزبالة.
ياللهول مصرى بسيط ، من عائلة متوسطة الحال يدفع هذا المبلغ لتعليق صوره !! كم هنت يا مصر !
وسرح ذهني إلى الأزمنة الجميلة، التي وردت على بلدنا أم الدنيا، وذكرت أناسا كان كل همهم العمل من أجلها ولو بشئ بسيط، بناء مسجد صغير، أو إنشاء كتّاب لتعليم القرآن، وإذا زاد مع أحدهم المال بنى مدرسة أو مستشفى أو مصنعا صغيرا أو مكتبة أو أو..
ولو سرت في بلادنا من الإسكندرية إلى أسوان؛ لوجدت أسماء كثيرة على مؤسسات أفاد منها الشعب وما زال ولو بعد سنوات، أنظر في جامعتي القاهرة وعين شمس، من (العيني) ؟ إنه شيخ من أيام محمد علي باشا، أعطى قصره ليكون مشفى يتعلم فيه الطلبة الطب، من (الدمرداش) ؟ إنه رجل بر آخر، صار مشفاه مكان علاج وتعليم لكلية طب أخرى.
وما كان في القاهرة كان في كل ركن من بلدنا البائس بأغنيائه اليوم، ولو رجعنا إلى بعض مئات من السنين؛ لوجدنا نفس الصورة ولكن تظهر أكثر على مستوى الحكام، فهذا ابن طولون التركي أمير مصر، ينشئ مستشفى كبيرا يعالج الأطباء فيه الناس من جميع الأمراض، حتى الأمراض النفسية والعصبية التي ابتدعوا علاجها بالموسيقى ! ويخرج المريض بعد ذلك وقد عوفي بعد أن يختبر شفاؤه بأكله دجاجة ورغيفين !
وجاء بعده بمائتي سنة تقريبا السلطان قلاوون المملوكي الذي أنشأ مستشفى كبيرا آخر في الغورىة، خدم شمال مصر كله، حتى إن بعض المسؤولين في مصر منذ عدة سنواتن إقتطعوا جزءا صغيرا منه وجعلوه مستشفى للعيون !
وما يقال عن العلاج يقال عن التعليم والثقافة والرياضة، ونظرة إلى أحياء وقرى مصر قبل ستين الأعوام الماضية؛ لوجدنا الكثير الكثير من أعمال البر، الذي سيكون مع أصحابه يوم الحساب إن شاء الله.
وبعد الثورة المباركة في 25 يناير حلمنا وحلمنا وحلمنا حتى طالعتنا صور المرشح البهية في كل مكان، أطعمتنا من جوع وحمتنا من برد وعلمت أولادنا وعالجت مرضانا، ثم أخرج من قوائم المقبول ترشحهم، وترك لنا أولادا صغارا في الشوارع يهتفون له، كلما رأيتهم تخيلت وجه مصر الجميل وقد صار كله دمامل وخراريج، خسارة وألف خسارة،خمسون مليونا يا شيخ !! تخيل لو اتجهت بها لعمل الخير، كم تلاميذ كنت ستعلمهم، وكم من مرضى كنت ستعالجهم، وكم من أطفال الشوارع كنت ستؤويهم، ولكن يرجع ذلك كله لأننا لم نسمع كلام الله تعالى، الذي قال: لا تؤتوا السفهاء أموالكم..
لك الله يا مصر، وبعث لك من يصلح حالك، وكفانا رؤوس سمك منتنة، فالسمكة لا تفسد إلا من رأسها..