كنت أطوف متوحدا مع جلال الكعبة مستغرقا في الدعاء, جاءني صوته آمرا في إلحاح يا حاج يا حاج.. فالتفت اليه.. فأشار إلي وجه زوجتي قائلا: ستر ستر..وكان حجابها قد تزحزح بسبب التدافع. فظهرت جذور عدة شعرات أعلي جبهتها.., ولم يطل استغرابي.. ابتلعت غضبي فلا جدال ولا فسوق. وقبل ان ابتعد جاء صوتهم لحظة الآذان لأصحاب المحال.. سكر سكر.. اأي اقفلب وعندما تكون في السوق ممسكا بيد ابنتك البالغ أو زوجتك.. تجد من يفرق بينكما.. ابعد يا شيخ.. بعد يا شيخب.. هذا هو دأب جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي هيئة شبه شرطية تتبع الدولة في المملكة السعودية, وكم كانت لهم احتجاجات في الماضي ضد تعليم البنات وضد دخول التليفزيون والسينما وعمل المرأة ومنع قيادتها للسيارة, لولا جسارة وحكمة الملك فيصل يرحمه الله في مواجهتهم, لظلت المملكة خارج التاريخ والجغرافيا.. وعموما هذا شأنهم في السعودية, ولكن لو صح أن مجموعة من شباب السلفيين قد دعوا الي إنشاء جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقتداء بالسعودية, فإننا في مصر نرفض بشدة أن تتمخض التجربة الديموقراطية عن هيئة كهذه, ولو أصروا سنندم أننا منحناهم أصواتنا, والعاقبة بيننا في الانتخابات القادمة. - صحيح أن شبه الجزيرة االسعوديةب نزلت بها أعظم رسالة للبشرية جمعاء لتتم مكارم الأخلاق.. لكن الصحيح أيضا أن فجر الضمير ومسئولية الإنسان أمام خالقه وبداية الأخلاق والقيم والتوحيد ولدت بمصر منذ ولد التاريخ.. وجاء القرآن ليؤكد هذه الحقيقة لست عليهم بمسيطر صدق الله العظيم. - كما أن مصر قامت فيها ثورة علي الظلم والاستبداد وأسفرت عن انتخابات وجدنا فيها فرصة لتحقيق حلمنا في العدل وفرصة أيضا أن تكون قيمة أي انسان بما يعلم ويعمل ويعطي.. وقد كنا جميعا متعطشين إلي حكام في نفس عطاء أبي بكر وعلم علي وشجاعة خالد.. كنا متعطشين إلي حاكم يخشي الله في رعاياه يرقع ثوبه مثل عمر ويأكل القديد أسوة بفقراء أمته, ويندب حظه العاثر لأن دابة عثرت في أرض النوبة أو وقع حادث في العريش.. كنا متعطشين إلي صناع قرار ينزلون الميادين ويمشون في الشوارع, ويجوبون القري والنجوع والاسواق يبحثون حاجة الناس, ويقودون حملة للنظافة.. ويقفون في طابور الخبز ويلتزمون بقانون إشارة المرور, ويشرفون علي علاج المرضي ويتبرعون بدمائهم وأموالهم للفقراء.. وهذا السلوك كان الباب الملكي لاستمرار جماعة الإخوان المسلمين رغم القهر والمطاردة.. وقد أجادوا أداءه في السر والعلن, ولذلك انتخبهم عامة الناس أو قل منحناهم فرصتهم.. إذ حلمنا بوصول حكام إسلاميين ابجدب منذ اكثر من مائتي عام, حين حمل الشيخ عمر مكرم وأعيان البلاد وشاح الإمارة وألبسوه محمد علي الألباني الأصل وولوه أمر المحروسة رغم أنف الخليفة العثماني أمير المؤمنين,.. وحين حاول الجيش أن يقود الحركة الوطنية استجابة لطموحات الأمة في عهد سعيد ثم في عهد توفيق وقامت الثورة العرابية, تكالبت علي جيش المصريين الأمم الباغية بعد زريعة طائفية واتهمته فيها بالانحياز لعربجي مسلم ضد ايطالي مسيحي, وانتهت الثورة الحلم بحل الجيش بعد وقوع مصر فريسة لاحتلال إنجليزي دام سبعين سنة ولم يخلصنا من هذا الاحتلال البغيض إلا جيش المصريين مرة أخري عام 1952, في ثورة لبت طموحات سواد الشعب, إلي أن ورثها مبارك الذي سعي لأن يكون حكم مصر خالصا له ولوريثه من بعده, فقامت ثورة25 يناير وعاد جيش المصريين درعا يحمي ارادة الشعب في الانتقال الديموقراطي الي العيش والحرية والكرامة الانسانية. ولو ظن المرسي والعريان والشحات والزمر وأبو إسماعيل والكتاتني وعبدالغفور ويسري وبرهام والحويني, وغيرهم, أننا انتخبنا أحزابهم وتياراتهم لأشخاصهم أو تاريخهم السياسي لوقعوا في وهم كبير, وستلقي أحزابهم مصير الحزب المنحل فالصحيح أننا انتخبنا فيهم احالةب من المثل والقيم والتحضر والتدين التي يولد بها كل مصري كنا نفتقر إليها ورأينا أمثلة منها في أدب العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعلم مصطفي مشرفة وكيمياء أحمد زويل وإنسانية مجدي يعقوب وقيم العز بن عبدالسلام وحكمة الإمام الشافعي وعسكرية رمسيس الثاني وتوحيد إخناتون وسياسة مينا موحد القطرين, كل هؤلاء أمروا بالمعروف, ونهوا عن المنكر, فذهب من ذهب وبقيت إنجازاتهم كما عبروا عنها بالقول والعمل, ولم يكونوا اكالذئب تراه مصليا فإذا مررت به ركع, يدعو وكل دعائه ما للفريسة لا تقعب! المزيد من مقالات أنور عبد اللطيف