«العسكر» واثقون بأنهم سوف يحتفظون بنفوذهم وحصانتهم وإمبراطوريتهم التجارية» قبل أسبوعين من بدء الانتخابات الرئاسية في مصر يتبنى أبرز المرشحين «نغمة مهذبة» ويبدون «استرضاءً» تجاه الحكام العسكريين الحاليين حتى بعد أن أوضح الجنرالات أنهم يتوقعون الاحتفاظ بأغلب ما لديهم من سلطة ونفوذ فى المرحلة المقبلة بعد أن يتم تسليمهم للسلطة كما تعهدوا.
هذا ما وصفت به صحيفة «نيويورك تايمز» الحالة في مصر فى تقرير لها من القاهرة استقراءً للأوضاع مع الأول من يوليو القادم.. وذكرت الصحيفة أن من المرشحين الثلاثة الأوفر حظا، ومنهم عمرو موسى قال إن الأمر حساس للغاية لكى يتم مناقشته علنًا، بينما كل من محمد مرسى وعبد المنعم أبو الفتوح قالا بأنهما سيتشاوران بشكل وثيق مع الجنرالات في جميع الأمور ومنها اختيار وزير الدفاع.
وعن ميزانية الدفاع ذكرت «نيويورك تايمز» أن مستشاري المرشحين الثلاثة قالوا إنهم يتوقعون تدقيقا محدودا لميزانية الدفاع وأن يتم ذلك من جانب لجنة خاصة بالبرلمان.
وأشار ديفيد كيركباتريك في بداية تقريره من القاهرة إلى السؤال المهم وهو أن «بعد 15 شهرا من إمساك الجنرالات بزمام الحكم في مصر مع الإطاحة بحسنى مبارك كم من السلطة سيقبلون بتسليمها ولأول مرة لسلطة مدنية؟». وأن ذلك «سوف يحدد ما إذا كانت الانتفاضة في العام الماضي ستبقى على عهدها كثورة ديمقراطية أم تتحول بدلا منها إلى انقلاب» وذكر أن هذا السؤال يأتى ضمن الأسئلة التى تهم حلفاء مصر مثل الولاياتالمتحدة وإسرائيل وأيضا يعنى الرئيس المصرى القادم.
وقال التقريرالصحفي المطول عن مصر: «إن الجنرالات من جانبهم نجدهم واثقين بأنهم سوف يحتفظون بنفوذهم وحصانتهم وإمبراطوريتهم التجارية التى تتضمن عمليات تمتد من العقارات إلى الإلكترونيات إلى صناعة المياه المعبأة» و«أن العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة تاريخية وأبدية. ولم تبدأ بالمجلس الأعلى الحالى للقوات المسلحة» قالها اللواء ممدوح شاهين فى مؤتمر صحفى عُقد الأسبوع الماضي.
ومنذ أيام الملكية التى ساندتها بريطانيا كما قال اللواء شاهين فإن الدساتير المصرية أعطت للعسكرية دورا أكبر من حماية الحدود. وعندما سأل صحفى من الإعلام المصرى الرسمي: كيف يمكن أن يقوم «العسكرى» بتسليم السلطة لرئيس جديد دون ضمان بما قد يأتى في ما بعد؟ كان رد اللواء شاهين «لا يوجد قلق» مشيرا إلى أن كل الدساتير بدءا من عام 1923 تضمنت مواد تشير إلى أن العسكرية قد تتولى زمام الأمور في حالة وقوع «كارثة» سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر.. وذكرت الصحيفة «أن صانعي السياسات فى الولاياتالمتحدة لديهم روابط وثيقة مع العسكرية في مصر ويقدرون الجنرالات كقوة في تحقيق الاستقرار فى العلاقات مع إسرائيل على وجه التحديد».
وأضافت: «لكن إصرار الجنرالات في الماضي على الاحتفاظ بنفوذهم السياسى قد نتجت عنه نداءات من واشنطن طالبت بتسريع تسليم السلطة».. وفى تناولها لمواقف المرشحين الثلاثة من العلاقة مع العسكر قالت الصحيفة إن عمرو موسى ألقى باللوم أخيرا على المتظاهرين فى العباسية وسقوط قتلى منهم بينما كانوا يحاولون اقتحام وزارة الدفاع إذ قال فى جولة انتخابية له السبت «لا أفهم كيف أن البعض يحاول أن يقتحم الوزارة» كما نقل عنه فى الإعلام الرسمى، مضيفا «أين الدولة؟ وما الهدف من الاقتحام؟» وقال موسى «كل فرد بدأ يعتقد أن هناك فوضى كاملة فى مصر» مضيفا «كيف يمكن لمصرى أن يريد اقتحام وزارة الدفاع؟». وفى مؤتمر صحفى عُقد أخيرا قال موسى للصحفيين إن أسئلتهم حول دور العسكرية في المستقبل تتعدى الحدود «لا أعتقد أن من مصلحة الشعب أو رئيس المستقبل أن يغوص فى التفاصيل فى هذا التوقيت». وعندما سئل حول فكرة «خروج آمن» للجنرالات وهذا يعنى حصانة من المقاضاة حول اتهامات بالفساد أو حول أخطاء ارتكبوها خلال وجودهم فى السلطة قال موسى إنه يريد التحدث عن «خروج آمن» لمصر، «نحن ننتخب رئيسا مدنيا لمصر.. وهذه هى البداية». وذكرت «نيويورك تايمز» أن موسى لم يتعرض علنا للمصالح الاقتصادية للعسكر ولم يتحدث عن أى مساءلة قانونية لأخطاء ارتكبتها فى الماضى.. أما محمد مرسى مرشح الإخوان (حسب ما ذكرته «نيويورك تايمز») فقد تعهد بأنه إذا تم انتخابه سيتشاور بشكل وثيق مع الجنرالات حول تعيين وزير الدفاع وأنه لن يقوم بإملاء أى خيار «التشاور لا أن يفرض جانب واحد رأيه على الآخر» قال مرسى حول خططه للعمل مع الجنرالات.
أما مستشاروه فقد قالوا سرًّا إنه ليس لديه أيضا أى خطط لتفكيك المشروعات الاقتصادية للمؤسسة العسكرية أو توجيه اتهامات ضدهم.. أما عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الإسلامى، فقد أصر علنًا على أن يكون للرئيس الحق فى تسمية وزير دفاع مدنى إذا تم انتخابه. ولكنه عاد ليقول في حوارات تليفزيونية إنه نظرا إلى المناخ السياسي الحالي هو أيضا سوف يختار ضابطا عسكريا.
وأبو الفتوح (كما كتبت «نيويورك تايمز») طلب علنًا أن تكون ميزانية «الدفاع» ولأول مرة ضمن الميزانية العامة للدولة. إلا أن مستشاريه قالوا إنه مستعد أن يكلف مهمة القيام بالتدقيق فى بعض أو كل بنود ميزانية الدفاع للجنة خاصة بالبرلمان. وإنه قال أيضا إنه سوف يتشاور مع الجنرالات حول قرارات تخص سياسات تعنيهم أمرها.. وتوضح الصحيفة الأمريكية أن أبو الفتوح بخلاف المرشحَين الآخرَين تساءل عن الحكمة من السماح للمشروعات التجارية التابعة للعسكرية (والتى لها امتيازات مالية وضريبية) بالمنافسة أمام مشروعات القطاع الخاص. وقال «لا أحد ضد أن يكون للعسكرية نشاطات اقتصادية ولكن أن تخدم نفسها فقط دون أن تتنافس مع القطاعين العام والخاص» مضيفا «أن تكون للعسكرية مؤسسات تخدم احتياجاتها فهذا أمر موجود في كل العالم»..
ورأت الصحيفة الأمريكية أن التوازن النهائى بين السلطة المدنية والعسكرية سواء كان علنا أو وراء الكواليس قد يحتاج إلى سنوات لكى يتحقق. كما أشار ديفيد كيركباتريك فى تقريره إلى ما قاله الجنرالات فى مؤتمرهم الصحفى حول ما قيل وتردد حول تقنين «الوضع الخاص» للقوات المسلحة بأن هذا هو القائم منذ دستور عام 1923 كما قال اللواء شاهين. أما اللواء مختار الملا فقد دافع عن الإمبراطورية التجارية للعسكرية (حسب وصف الصحيفة) وذكر أنه عندما يساعد فى التنمية الاقتصادية من خلال بناء الطرق والجسور فإن ذلك من مصلحة الشعب.