ثلاثة محاورين في ثلاثة برامج وضيف واحد هو البرادعي الذي حل ضيفاً علي برنامج «الطبعة الأولي» الذي يقدمه الزميل أحمد المسلماني، والذي التقاه في النمسا قبيل عودته بأيام، ثم ضيفاً علي الإعلامي عمرو أديب في برنامجه «القاهرة اليوم» والذي سافر إليه كذلك قبل ثلاثة أيام من وصوله إلي مصر، فيما انفردت مني الشاذلي في برنامجها «العاشرة مساءً» بلقاء البرادعي من مصر وعلي الهواء مباشرة وسمحت بالعديد من الاتصالات التليفونية التي كان بعضها معدًا سلفاً للحوار مع المدير السابق للوكالة الدولية والطاقة الذرية والحائز علي جائزة نوبل للسلام، والأهم من ذلك المرشح المرتقب لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في حالة تعديل الدستور. اللقاءات الثلاثة إن دلت علي شيء فهي تدل علي مرونة كبيرة لدي النظام المصري فيما يخص البرادعي، ويبدو أن النظام أعطي الضوء الأخضر للبرامج الحوارية الشهيرة في مصر لإجراء مثل هذه اللقاءات، حتي ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة، فيكفي أنه لم يعترض علي ظهوره ، ويكفي أنه لم يفعل معه مثلاً مثلما فعل مع د.أيمن نور الذي خاض الانتخابات السابقة والذي صدرت بشأنه قرارات شفوية بعدم استضافته علي الهواء في مثل هذه البرامج، واستثني من ذلك لقاءات ما بعد الإفراج عنه، ربما لأن لهجة البرادعي التي تأثرت بعمله الدبلوماسي وشغله منصب دوليا مختلفة تماماً عن لهجة نور الصدامية التي هيجت ضده النظام، أو التي كانت كذلك، حيث أعلن قبل أيام أنه سيتوجه للناس بخطاب مختلف وجديد بعد عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة عن حزب الغد، لكن اللافت للنظر أن البرادعي نفسه كان يتحدث بمنتهي الثقة في البرامج الثلاثة وبدا وكأنه يعرف ما يريد تحديداً لدرجة أنه لو كنا في دولة تحترم استطلاعات الرأي وتجريها بنزاهة كنا سنلاحظ تزايد شعبية البرادعي بعد هذه اللقاءات لكن اللافت بين الحوارات الثلاثة أنها أظهرت فروقاً واضحة بين أسماء تتمتع بالجماهيرية الكبيرة لدي متابعي وسائل الإعلام مثل المسلماني وأديب ومني الشاذلي، فالبرادعي في حوار المسلماني تشعر أنه كان مستريحاً أكثر، فالحوار لم يكن يحتوي علي مناطق ملغومة أو مطبات صعبة أو حتي أسئلة حرجة، وكان المسلماني دمثاً إلي أقصي درجة، ودقيقاً في استخدام ألفاظه خاصة وصفه ل(الخشونة) التي تعاملت بها الصحف القومية مع البرادعي، ويبدو أن المسلماني الذي اعتاد مجالسة العلماء ومحاورتهم كالدكتور زويل والذي يعد المسلماني أحد مستشاريه وغيره من العلماء كان يتعامل مع البرادعي بروح المحاور المعجب به وليس الباحث عن الحقيقة، وكان من سوء حظ المسلماني أن المقابلة أذيعت وقت مباراة الأهلي مع حرس الحدود وهو ما قلل من نسبة مشاهدتها، وجعل منها حلقة تشعر وكأنها موجهة للنخبة أو الصفوة، وهو ما ظهر في أسئلته التي يبدو وكأنها كانت ضمن اتفاق مع زميلته مني الشاذلي علي أن تتناول السياسة الخارجية والشأن الدولي، لاسيما وأن الحلقة انتهت كجزء أول وأعلن أن الجزء الثاني للقاء البرادعي سيكون مع مني الشاذلي في «العاشرة مساءً» وهو ما يعكس سوء تقدير في توقيت إذاعة الحلقة حيث أذيع الجزء الأول من اللقاء مع المسلماني في فيينا كلقاء مسجل يوم الخميس الماضي، بينما كان الجزء الثاني بعدها بثلاثة أيام كاملة مع مني الشاذلي في «العاشرة مساءً» وعلي الهواء مباشرة من مصر داخل الأستديو، حوار الإعلامي الكبير أيضاً عمرو أديب مع البرادعي كان أكثر حنكة وخبرة وخبثاً، حيث تشعر وأنت تتابع اللقاء أنك بصدد مذيع يجلس علي القهوة يتحدث بلسان ابن البلد مع شخص لم يجلس علي القهوة في حياته، ورغم الألغام الكثيرة التي زرعها أديب في طريق البرادعي فإن هذا الأخير مر منها بسلام وبمهارة يحسد عليها. ميزة حوار أديب مع البرادعي أنه كان أشبه بمباريات (البنج بونج) حيث تلاحقت أسئلته السريعة وأجوبته الأسرع، حتي لتشعر أن عمرو أديب في هذا الحوار كان يريد أن يعصر الضيف حتي آخر قطرة بسؤاله في كل المناطق، ولم يرض أديب بعدد من الإجابات الدبلوماسية للبرادعي فأصر علي إعادة نفس السؤال بصياغة مختلفة في أداء راق من الحوار لم يعبه إلا بعض المقاطعات في استرسال البرادعي في إجاباته عن سؤالين أو أكثر. مشكلة أخري في هذا الحوار هي الإخراج والذي عكس بدائية مخرج ومصور الحلقة اللذين لم يتعاملا جيداً مع الإضاءة لتخرج صلعة أديب الشهيرة وجزء من رقبته مضيئاً وكأننا أمام مذيع فوسفوري، لكن أديب ارتفع بمستوي الحوار لدرجة التوهج وهو يسأل البرادعي: «هل أنت رجل قوي؟ وهل تستطيع حكم مصر؟»، وهو السؤال الذي أجاب عنه البرادعي بأن القوة التي يجب أن تحكم هي قوة الفكر، وأن الكاريزما تأتي في مرحلة لاحقة، ونجح أديب ببراعة يحسد عليها في استخراج العديد من التصريحات من البرادعي مثل تصريحه عن موافقته علي تكوين حزب للإخوان المسلمين في حال أصبح رئيساً . تستطيع أن تقول وأنت مرتاح الضمير إن حوار عمرو أديب مع البرادعي كان جامعاً مانعاً بدرجة كبيرة فقد سأل في كل كبيرة وصغيرة وبكل الأساليب وبحرفنة ومزاج بلغة الكرة. أما حوار مني الشاذلي مع البرادعي فقد كان مربكاً حيث تشعر أن مني قد نوت من الليلة السابقة أن تحطم صورة البرادعي عند الناس وتقلل منه بأسلوب غير مباشر، كما أن حوار عمرو أديب مع البرادعي سبقها وحرق عليها العديد من الأسئلة المهمة، ولذلك لم تكن مني الشاذلي موفقة في الحوار الذي سبقته في الليلة السابقة بانتقاد شخصي منها لعدم نزول البرادعي لمصافحة مؤيديه والوقوف معهم، ولأنه لم يتحدث بعد أن وصل للمطار للآلاف التي استقبلته، وهو انتقاد في غير محله بالمرة لأن أي شخص في مكانه - بمن فيهم الرئيس مبارك نفسه - لم يكن يستطيع أن يفعل شيئاً فالبرادعي لم يكن مؤمناً بعد خروجه من المطار، وكان من المستحيل أن ينزل من سيارته وسط تدافع الناس وحتي لا يعرض الآخرين للخطر حيث كان سيفرض نزوله حصاراً أمنياً علي المناصرين له ومستقبليه قد يتسبب في فوضي أو أزمة ليس لها لزوم في مثل هذا اليوم، وهكذا تجد أن مني الشاذلي استطردت في واقعة المطار ومناقشتها مع البرادعي لمدة فاصل كامل تقريباً بعيداً عن الأسئلة المهمة. أسئلة مني في معظمها كانت مكررة وتحمل غمزاً ولمزاً بأسلوب غير مباشر وبطريقة مني (النميسة)، لكن يبقي انفرادها باستضافة البرادعي علي الهواء مستحقاً للاحترام لدأبها وجهدها، وهو الجهد الذي كادت تضيعه مع العديد من المكالمات التليفونية التي استقبلتها والتي شعر معها المشاهد العادي بخوفها الشديد من حديث بعض المتصلين السلبي عن الرئيس مبارك وفترة حكمه، وهو ما ضبطته إما بقطع الاتصال معهم كما فعلت مع الأديب العالمي د.علاء الأسواني شخصياً والذي أنهت معه المكالمة قبل أن يستطرد في كلامه، أو بإعداد مكالمات محسوبة علي النظام مثل مكالمة د.جهاد عودة - أستاذ العلوم السياسية - المحسوب بقوة علي النظام وعضو لجنة سياسات الحزب الوطني والذي ذكرته بصفته الأخيرة قبل أن ينهي المكالمة في توجيه غير مباشر منها لدفة النقاش لانتقاد البرادعي الغريب والغريب جداً أن الحلقة التي لم تشهد أي مناطق اشتباك ساخنة للبرادعي يمكن أن يفهم منها أنه ضد شخص الرئيس مبارك أو أنه تعدي الخطوط الحمراء، أنهتها مني الشاذلي بطريقة غريبة، حيث أوحت لمشاهديها أنها قدمت حلقة جريئة مشككة في إمكانية ظهورها في الحلقة التالية. القواسم المشتركة بين الحوارات الثلاثة للبرادعي أن كل المذيعين اجتهدوا لتقديم حوار مختلف عن الآخر وهو ما يحسب لهم جميعاً.