لا تستطيع وأنت تشاهد فيلم افتتاح مهرجان الخليج «تورا بورا» للكويتى وليد العوضى، سوى أن تتذكر فيلم «الجنة الآن» للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد، الذى أخرجه قبل نحو 8 سنوات واقترب من الترشيحات النهائية للأوسكار، واقتنص قبلها جائزة «الجولدن جلوب» الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبى. الفيلمان يتناولان قضية واحدة وهى الإرهاب المسلح الذى يقتل المدنيين على اعتبار أن هذا هو شرع الله مع اختلاف مسرح الأحداث.. فيلم «الجنة الآن» أرضه الدرامية هى فلسطينالمحتلة، بينما فيلم «تورا بورا» تجرى أحداثه فى «بيشاور» على الحدود بين أفغانستانوباكستان، وصولًا إلى جبال «تورا بورا» التى كانت معقلًا حصينًا لتنظيم القاعدة.
الفيلم يستند إلى واقعة حقيقية، وهى لا تتناول بلدًا محددًا، ولكنك تستطيع أن ترى فيه العديد من التنويعات المماثلة التى شاهدنا الكثير منها فى عالمنا العربى والإسلامى، حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته للجهاد فى سبيل الله وبين القتل والترويع الذى يطول المدنيين على اعتبار أنه أيضا استشهاد فى سبيل الله، بينما هو قتل للنفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.
الفيلم من الناحية الواقعية تم تصويره -خصوصا تلك المشاهد التى تتناول «تورا بورا»- فى المغرب، حيث إن المملكة المغربية صارت مقصدًًا للعديد من الأفلام التى تحتاج إلى أماكن طبيعية، بل إن أكثر من فيلم عالمى يتناول الحضارة الفرعونية وعندما تتعذر بهم السبل بسبب المعوقات الرقابية للتصوير بمصر يفضلون الذهاب إلى المغرب حيث يصبح المقصد والهدف هو الحصول على تشابه فى مذاق المكان والأجواء، ولكن هذه بالطبع قصة أخرى.. استعان المخرج بفنان ديكور عالمى هو ماركو تورنتينى، وذلك من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية فى العمل الفنى.
ولكن ظل الفيلم يتمحور فى إطار فكرى ضيق أدى إلى تقييد الفكرة، لنجدها وقد خضعت لحالة من التنميط فى رسم الشخصيات.
الرهان الصعب هو كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم، وليس فقط إلى البلد الذى ينتمى إليه الأبطال.. هناك ولا شك مفهوم خاطئ طال الدين الإسلامى فى الغرب بسبب تلك النظرة التى يرى بها البعض الإسلام مرادفًا للإرهاب، ولقد لعبت مع الأسف الفضائيات دورًا فى نشر تلك الصورة الذهنية بكثرة المشاهد التى نرى فيها من يعد نفسه للشهادة وأمير الجماعة يؤكد أن هذا هو الطريق للجنة.
السيناريو الذى كتبه المخرج أيضا مع رياض السيف، كانت تستهويه خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور، ولكنه أغفل الإحساس الإنسانى، خصوصا أننا بصدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى تورا بورا بعد أن تعرض لغسيل مخ، بينما أمه وأبوه بدآ رحلة البحث عنه، وفى نفس الوقت فإن أخاه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.. لقد شاهدنا فيلم «مفقود» قبل أكثر من ربع قرن للمخرج كوستا جافراس وبطولة جاك ليمون، حيث كان الوالدان يبحثان أيضا عن ابنهما المفقود.. فى الفيلم الأمريكى كنت تتعاطف مع العائلة وتكتشف تفاصيلها من خلال تلك الرؤية الإنسانية، ولكننا فى «تورا بورا» نرى مجرد رسم تخطيطى هندسى مباشر يحيله إلى شىء أقرب لبناء حجرى خالٍ من المشاعر.. كل ما يقدمه المخرج مجرد لمحات سريعة عن الفندق الذى أقام فيه الأبوان، وعن بيع الحشيش علنًا فى «بيشاور» على الحدود بين باكستانوأفغانستان وعن المعارك القبلية فى أفغانستان ولا شىء أكثر من ذلك.
الفيلم يتهم القاعدة بأنهم ساهموا فى غسيل المخ للشباب العربى المسلم فى أنحاء العالم، ليعتبروا أنفسهم فى مواجهة ضد الكفار الذين ينبغى سحقهم، ولكن غابت الرؤية الدرامية والفكرية، وتحول الأمر إلى مجرد تمضية نحو ساعتين فى عمل فنى كان ينبغى اختصاره على أقل تقدير إلى النصف.. شاب أداء الممثلين قدر كبير من النمطية فى التعبير، مثل سعد المفرح وأسمهان توفيق وياسين الحاج، ورغم أن هناك جهدا رائعا فى الصورة وأيضا فى التعبير الموسيقى لرعد خلف، فإن المحصلة النهائية هى أننا بصدد عمل فنى يعوزه الكثير لكى يصل إلى الرسالة، وهى فضح التطرف وتبرئة الإسلام، فلا نجح فى هذه أو تلك وضاع فى جبال «تورا بورا»!