شهِدتُ ميلاد العديد من المهرجانات العربية فى دوراتها الأولى وظلت علاقتى بهذه المهرجانات دائمة لا تنقطع من دورة إلى أخرى، المهرجان الوحيد الذى لم أشهد بداياته ولم أحضر أيًّا من دوراته الأربع الأولى هو «الخليج»، سبق أن شاهدت ميلاد مهرجانات «دبى»، و«أبوظبى»، و«الدوحة»، و«وهران» التى تتابعت خلال السنوات الثمانى الأخيرة وهى تضع السينما العربية فى بؤرة الاهتمام، مهرجان الخليج يوجه اهتمامه إلى السينما فى هذه المنطقة والذى افتتح أمس دورته الخامسة بالفيلم الكويتى «تورا بورا» الذى يتناول المتطرفين، وكيف نجحوا فى استقطاب شاب يترك بلده «الكويت» ويذهب إلى أفغانستان، وهى قصة لها ظل من الحقيقة كلنا نعرف العديد من الشباب فى الأُسر المصرية والعربية كانت لهم حكايات مشابهة، المخرج وليد العوضى أمسك بهذا الخيط ونسج أحداث فيلمه، وبالتأكيد سوف تأتى الفرصة قريبا لنكتب عن هذا الفيلم. ومع كل مهرجان خليجى يُطرح نفس السؤال، وعلى طريقة السؤال التقليدى «البيضة أولا أم الفرخة؟» هل الأجدى أن تتوجه رؤوس الأموال إلى صناعة أفلام سينمائية أم تتبدد فى إقامة مهرجان سينمائى تنتهى فاعلياته بعد بضعة أيام وينتهى أيضا تأثيره، أليس من الأجدى أن تُصنع أفلام أولا وبعد ذلك تقام مهرجانات تشارك فيها سينما البلد المضيف صاحب الأرض؟ تحول هذا السؤال إلى «راكور» ثابت لا يتغير فى كل مهرجان خليجى، إلا أننا فى السنوات الأخيرة وجدنا أمامنا زاوية رؤية أخرى مختلفة، ربما تحمل ردا عمليا على السؤال. إنها تلك الأفلام التى ترى فيها مثلا مهرجانات مثل «أبوظبى» و«دبى» و«الدوحة» مشاركة فى إنتاجها، بالطبع فإن تقديم الأفلام هو الهدف الأسمى الذى ينبغى أن تسعى إليه كل الدول إلا أننا لسنا فى مجال اختيار بين فيلم ومهرجان، ولكن ما الذى يضمن أن ميزانية المهرجان سوف تتوجه بالضرورة إلى إنتاج فيلم سينمائى؟ الحقيقة هى أن المهرجانات أنجبت مهرجانات قبل أن تنجب أفلاما ولكن هذه المهرجانات أيضا بدأت تتسابق فى دعم الأفلام العالمية التى يشارك فيها ممثلون عرب وسبق مثلا فى مهرجان «دبى» الأخير أن شاهدنا «مهمة مستحيلة» بطولة توم كروز وقبلها فى أبوظبى «لعبة عادلة» بطولة شون بن وقبل بضع سنوات قدم ريدلى سكوت «مملكة الجنة» حيث لعب دور «صلاح الدين الأيوبى» الفنان السورى غسان مسعود كما أن العديد من الأفلام العربية تتلقى دعمًا من تلك المهرجانات، وفى المقابل تشارك فى فاعليتها ومهرجان القاهرة يسعى فى دورته القادمة إلى فتح المجال أمام السينمائيين المصريين والعرب للتقدم بأفكار مماثلة.
منصة انطلاق مهرجانات الخليج بدأت مع «دبى» السينمائى الدولى 2004 الذى يتوجه أساسا للسينما العربية من خلال جائزة «المهر العربى» ورسوخه على الساحة دفع «أبوظبى» إلى إقامة مهرجان بتوجه آخر بعد ثلاث دورات من «دبى» ثم مهرجان «الدوحة» الذى انطلق بعد عامين من «أبوظبى» وهو يحمل فى جانب منه رغبة سياسية، لأن توجد «قطر» على خريطة المهرجانات الخليجية، وكانت مثلا مملكة البحرين قبل 12 عاما هى التى بدأت الخطوة الأولى من خلال جمعية سينمائية يرأسها المخرج البحرينى بسام الزوادى الذى يتم تكريمه فى هذه الدورة بمهرجان الخليج، فهو واحد من القلائل على الساحة الخليجية الذى يواصل تقديم أفلامه الروائية الطويلة، ووصل رصيده إلى ثلاثة أفلام بدأها قبل 12 عاما بفيلم «الحاجز» كان بسام هو صاحب المبادرة الأولى لإقامة مهرجان للسينما العربية عام 2000، وتعثرت الدورات التالية بسبب التمويل، بينما يتواصل، رغم كل الصعوبات التى تواجهه، مهرجان «مسقط» السينمائى الذى بدأ فى نفس العام، ويعقد مرة كل عامين وهذا يحسب للجمعية السينمائية التى يرأسها المخرج العُمانى خالد الدرجانى.
ويبقى أن المهرجانات السينمائية تخلق دائما حالة من الشغف لدى الجمهور، ويستطيع المهرجان أن يخلق مناخا ملائما، الفيلم بحاجة إلى توجه يحمل فى أعماقه بُعدَين، فكرى وتجارى، السينما الناطقة باللهجة الخليجية وتتناول قضايا محلية، لا يتم تسويقها إلا فى إطار السوق الخليجية والشركات لا تتحمس كثيرا للمخاطرة المادية، إلا أن إقامة مهرجان سينمائى بددت الكثير من تلك المخاوف، فاصل وغدا نواصل