· «ميرال» من بين الأفلام التي تستحق التأمل وهو إنتاج فرنسي هندي ايطالي · «شتي يا دنيا» فاز بجائزة أفضل فيلم عربي بالمهرجان لا توجد مساحة زمنية تسمح بأن تتنفس بين كل مهرجان عربي وآخر، لا وقت للتأمل الفني للأفلام، لأنه ما أن تعلن جوائز مهرجان ويقام حفل الختام إلا وتجد في بلد عربي آخر وربما في نفس الوقت حفل افتتاح لمهرجان آخر.. الجمعة الماضية كان ختام مهرجان "أبوظبي" ونكتشف أن السبت افتتاح "قرطاج" ثم الثلاثاء افتتاح "الدوحة" وبعد ختام "الدوحة" بأقل من أسبوع يفتتح مهرجان "دمشق" وهكذا التخبط العربي العربي في الحياة السياسية انتقل أيضاً إلي دنيا الفن والمهرجانات!! أهم ما يبقي من المهرجان ليس الجوائز أو الأفلام التي حظيت بالجوائز، ولكن الأفلام المهمة خاصة لو توجت بجائزة.. وفي مهرجان "أبو ظبي" شاهدت بإعجاب وترقب الفيلم الروسي الذي حصد جائزة أفضل فيلم أجنبي "أرواح صامتة" للمخرج "أليكس فيدور تشنكو" لا يقدم المخرج رؤية مباشرة لطقوس وشعائر أقلية عرقية تدعي "ميرجا" تعيش في روسيا، ولكننا نري في هذا الفيلم روح السينما كما نحلم بها كفن له خصوصية وملامح تتشكل عبر تفاصيل سينمائية حركة الكاميرا الزاوية، العدسة، التكوين، الإضاءة.. أنت أمام حالة سينمائية تستمع فيها إلي الصمت أكثر من الصوت ونري فيها الظل حاضراً ومهيمناً أكثر من الضوء.. نجد في هذه التركيبة علاقة ثلاثية: زوج وزوجة وصديق نكتشف أنه كان العشيق لهذه الزوجة قبل بضع سنوات.. لا يهم أبداً هذا الاكتشاف الذي يبدو متأخراً جداً، لأننا نري ما هو أكثر سر الحياة و الخلود والمشاعر ما الذي نخفيه ونظهر غيره للناس.. المعتقدات التي تدين لها هذه القبيلة تجعل البحر هو الحياة وهو البدء والمنتهي والنداء الذي يستجيب له الإنسان في نهاية الرحلة.. وهكذا جاء مشهد إشعال النيران في جسد الزوجة بعد رحيلها أمام البحر ليتناثر رذاذ الجسد في أحضانه ويحلم الزوج بالتوحد مع زوجته في العالم الآخر.. يستحق الفيلم - بالمناسبة- بالإضافة إلي جائزة الأفضل جائزة أيضاً للتصوير لو كان المهرجان يمنح تلك الجائزة!! أفضل فيلم عربي كان من نصيب الفيلم اللبناني "شتي يا دنيا" أو "شتي يا دني" كما ينطق باللهجة اللبنانية للمخرج "بهيج حجيج" فهو مهموم بهذه القضية قدمها في فيلمه التسجيلي "المخطوفون".. إنها توابع الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت في البلاد في منتصف السبعينيات.. كان هؤلاء يتم اختطافهم من أهاليهم ولا أحد يعرف ما هو مصيرهم، بالطبع بعد أن توقف القتال لم يتوقف الأنين والجراح.. البعض عاد إلي أهله والبعض لا يزال مفقوداً وحتي الآن فإن بعض الأسر اللبنانية تسأل عن هؤلاء ومصيرهم.. التقط المخرج أحدهم أدي دوره "حسان مراد" العائد إلي زوجته "جوليا قصار" عاد إلي المنزل وهو مكبل بكل الكوابيس التي عاشها في المعتقل.. عاد إنساناً آخر محطما جسدياً ونفسياً.. التواصل مع الزوجة والأولاد لم يعد قائماً.. لقد ألف الجميع غياب الأب فكيف يتعايشون مع تواجده بينهم.. عاد جسداً فقط.. علي الجانب الآخر نري أسرة ثانية لزوج لم يعد، زوجته التي أدت دورها "كارمن لبس" تبحث عن زوجها الذي اصطحبوه أيضاً في نفس المرحلة الزمنية لكنه لا يزال مصيره مجهولاً.. الخوف المسيطر علي الرجل الخارج من السجن يحيله إلي كائن رعديد لا يستطيع حتي أن يقول للزوجة الملهوفة أنه بعد أن أصيب بأزمة صحية وشعر باقتراب النهاية أكد لها أنه كان رفيقه الحميم في المعتقل ولكنهم قتلوه تعذيباً.. بالتأكيد أجاد المخرج "بهيج حجيج" الإطلالة علي الماضي بكل التفاصيل وحصل الفيلم علي الجائزة وقدرها 100 ألف دولار وهو بالفعل يتفوق سينمائياً علي الفيلم السوري "روداج" ولكن هناك ولا شك ظلم للفيلم المصري "رسائل بحر" وهو بالتأكيد به ثراء سينمائي أكثر ويستحق الجائزة.. خاصة أننا نتحدث عن مسابقة يشارك فيها ثلاثة أفلام فقط كان أفضلها سينمائياً من وجهة نظري هو "رسائل بحر"!! من بين الأفلام التي تستحق التأمل "ميرال" الفيلم إنتاج فرنسي هندي إيطالي من إخراج "جوليان شانيل".. الفيلم كتبته الإعلامية الصحفية الفلسطينية الشهيرة "رولا جبريل" وهي أيضاً كاتبة السيناريو والحوار، يغوص الفيلم إلي عمق التاريخ عام 48 ويقدم قبل نكبة فلسطين بأيام قليلة حفلا نري فيه العرب والإسرائيليين في حالة وفاق ونكتشف أن هذا هو تحديداً الهدف الكامن وراء صناعة هذا الفيلم، وذلك عندما يعلن الفيلم عن أفكاره في ثنايا مشاهده وينتقل للمذابح التي قتل فيها الإسرائيليون آلافاً من الفلسطينيين.. الشخصية المحورية في الفيلم هي "هند الحسيني" التي أدت دورها الفنانة الفلسطينية "هيام عباس" تلك المعلمة الفاضلة التي قررت رعاية الأطفال الفلسطينيين المشردين الذين يفقدون آباءهم.. الهدف الأساسي هو الحفاظ علي الحياة لأن هؤلاء هم الذين يشكلون القوة الفلسطينية الحقيقية التي تخشاها إسرائيل داخل هذا المنزل يتم تعليم وتثقيف هؤلاء الأطفال وبينهم بطلة الفيلم التي تؤدي دورها عندما تكبر "فريدا بينتو" وهي الممثلة الهندية التي لعبت بطولة فيلم "مليونير العشوائيات" الحاصل علي الأوسكار قبل عامين.. الفيلم يضع السلام هدفا وبالفعل لا أحد من الممكن أن يري سوي أن السلام يشكل هذا الهدف، إلا أن المأزق هو أن يصبح السلام هو فقط ما تريده إسرائيل وما تراه محققاً لآمالها بالتأكيد يظلم العرب.. الفيلم يقدم نوعا من البكائية علي اتفاقية "أوسلو" والتي كانت تعيد حوالي 22% من الأراضي الفلسطينية إلي أصحابها في حين أن المطروح الآن علي الفلسطينيين هو 5% فقط من أراضيهم التاريخية ومن هنا يستند الفيلم إلي أن العرب أضاعوا فرصة ال 22% ولم يبق لهم سوي الإمساك بآخر فرصة وهي ال 5% فقط من أرض فلسطين التاريخية المطروحة الآن.. الفيلم يناصر دعوة السلام التي تبناها "إسحاق رابين" وتم اغتياله في أعقابها بعد أن أعلن في آخر مؤتمر صحفي أنه لا يحلم بالسلام بل يصنع السلام داخل فلسطين بل والعرب، هناك من يبكي علي ضياع اتفاقية "أوسلو" ولكن هل يعني ذلك أن من يرفضون الاتفاقية هم دعاة الدمار والإرهاب.. كانت هذه هي النقطة الغائبة عن المخرج وأيضاً الكاتبة الفلسطينية "رولا جبريل" ولهذا قدمت مشهد اغتيال لحبيب البطلة لأنه توقف عن الكفاح المسلح وتوجه إلي عقد اتفاقية السلام!! لم يستطع المخرج أن يمنح فيلمه أي مبرر لكي يتحدث أبطاله العرب باللغة الإنجليزية خاصة أن بطلة الفيلم ووالديها فلسطينيون ويعيشون علي أرضها، فكيف يستقيم استخدام اللغة الإنجليزية خاصة أنه في حوارات أخري يلجأ للعربية والعبرية أي أنه لم يمنح فيلمه لغة افتراضية للجميع ولكنه لجأ إلي استخدام قانون الواقع في تناول بعض الأحداث وقانون الضرورة في أحداث أخري وهنا يقع خطأ المخرج!! من الأفلام التي قدمت بحرفية عالية "لا تتخلي عني" الفيلم إخراج "مارك رومانك" يواجه الفيلم الاتجار وبيع الأعضاء من خلال قصة لا تستند إلي وقائع حقيقية تجري أحداثها في لندن داخل مدرسة في مكان نائي كل أفرادها الأطفال يتم إعدادهم للتبرع بإجزاء من أجسادهم.. الفيلم يقترب من حقيقة أن هؤلاء أقرب إلي "صوب" زراعية.. عندما يحين الموعد يتم استثمارهم تجارياً وقطف الأعضاء لبيعها.. لا نسأل بالطبع عن قوانين ترفض ذلك ولا عن مجتمع من الممكن أن يتصدي لهذه التجاوزات، كل هذا وضعه الفيلم داخل إطار صارم هو صانع قانونه، مثلما تشاهد فيلما خياليا علميا لا يحق لك أن تسأل كيف يحدث ذلك.. الرسالة تحذيرية بالطبع يتبناها المخرج لكي تصل إلي الجمهور.. والمعروف أن الإتجار في الأعضاء البشرية حقيقة لايمكن لأحد أن يغفل عنها وهي تتم سراً وعلانية ولكن هذا الفيلم كان يبدو في جزء منه وكأنه إنذار تحذيري!! كانت هذه بعض الأفلام التي وجدت أن علينا التوقف عندها وبالطبع هناك أفلام أخري سوف نشاهدها تعرض في مهرجانات عربية قادمة لنعيد الكتابة عنها!! *********** المهرجانات متي تنجب أفلاماً؟! في كل مهرحان خليجي يطرح نفس السؤال.. هل الأجدي أن تتوجه رؤوس الأموال إلي صناعة أفلام سينمائية أم تتبدد في إقامة مهرجان سينمائي تنتهي فعالياته بعد بضعة أيام وينتهي أيضاً تأثيره؟! أليس من الأجدي أن تُصنع أفلام أولا وبعد ذلك تقام مهرجانات تشارك فيها سينما البلد المضيف صاحب الأرض. تحول هذا السؤال إلي "راكور" ثابت لا يتغير في كل مهرجان خليجي.. وبالطبع فإن تقديم الأفلام هو الهدف الأسمي، إلا أننا لسنا في مجال اختيار بين فيلم ومهرجان، ولكن ما الذي يضمن أن ميزانية المهرجان سوف تتوجه إلي إنتاج فيلم سينمائي؟ الحقيقية هي أن المهرجانات أنجبت مهرجانات، المؤكد أن مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يتوجه أساساً للسينما العربية هو الذي دفع «أبوظبي» لإقامة مهرجان مماثل بعد ثلاث دورات من دبي، ومهرجان الدوحة يحمل في جانب منه رغبة سياسية لأن تتواجد قطر علي خريطة المهرجانات الخليجية وكانت مثلاً مملكة البحرين قبل عشر سنوات هي التي بدأ ت الخطوة الأولي، ولكنها تعثرت بينما يتواصل رغم كل الصعوبات مهرجان "مسقط" السينمائي مرة كل عامين. هل المهرجان السينمائي قادر علي أن يخلق مناخاً يساعد علي إنتاج الأفلام ؟! الفيلم بحاجة إلي توجه يحمل في أعماقه بعدين فكري وتجاري. السينما الخليجية لا يتم تسويقها إلا في إطار ضيق وهو السوق الخليجية، ولهذا فإن شركات الإنتاج لا تتحمس لإنتاج الفيلم الذي يشكل بالنسبة لها خسارة مادية، إلا أن إقامة مهرجان سينمائي بات يحمل قوة ضغط لضرورة إنتاج سينمائي في مجال الفيلم الطويل، وهناك بعض الأفلام تم إنتاجها مؤخراً ويتم الدفع بها للاشتراك رسميا في التسابق في مجال الفيلم الروائي، إلا أن مستوي هذه الأفلام لم يرق إلي المنافسة ولهذا انتصر الصوت الذي يري أن الفيلم الخليجي ينبغي أن يصبح أولاً جديراً بالمنافسة حتي يسمح له بالمشاركة الرسمية بالمهرجانات وليس مجرد أن تشارك الدولة بفيلم يحمل اسمها..يظل المهرجان السينمائي يملك بداخله قوة لكي يطرح سؤالاً «أين الفيلم الخليجي الطويل»؟! وهذا السؤال ربما يصبح بمثابة نقطة انطلاق لتقديم إجابة عملية وهي بالفعل أن نري فيلما خليجياً روائياً طويلاً في مهرجانات مثل دبي وأبو ظبي ومسقط والدوحة.. أكرر ربما؟! وربما لهذا السبب تحرص معظم المهرجانات الخليجية علي أن تقام مسابقات منفصلة لأفلام الخليج العرب وهذه الدورة مثلاً أقيمت مسابقة في مهرجان أبو ظبي لأفلام الإمارات من خلال لجنة تحكيم يرأسها المخرج التونسي "نوري بو زيد".. كل ذلك من أجل دعم التوجه لأفلام الإمارات، وفي مهرجان "الدوحة" تقام ندوات بين المبدعين من الشباب وعدد من كبار المخرجين لدعم التجارب والأفكار الجديدة في دولة قطر.. في نهاية الأمر، ولا شك هناك حالة ومناخ تتيحها المهرجانات السينمائية من أجل أن تنمو المشروعات لتتحول إلي أفلام في الدورات القادمة وبالفعل شاركت أفلام في مهرجانات خليجية مثل أبو ظبي سبق وأن دعمتها مادياً.. وهكذا أنجبت المهرجانات الخليجية في نهاية الأمر أفلاماً!!