أشهد أن ما شاهدته في مطار القاهرة عصر ومساء الجمعة 19 فبراير كان شهادة جديدة حية علي ما عشت أؤمن به.. وكلما قرأت تاريخ هذا الوطن ازددت إيماناً.. أن فوق هذه الأرض شعباً يكمن ليستجمع قواه ولكن لا يموت أبدا. الحدث معروف أنه كان استقبال د. البرادعي والحدث الأعظم كان الجموع التي تجمعت من مختلف الأطياف الوطنية ومن عديد من محافظات مصر ومن نساء ورجال وشباب وشيوخ وأطفال.. من أصحاء ومرضي.. إلي جانب تساند إلي مسند صلب يتحرك به.. يبدو أن حرارة اللحظة والمعاني التي تمتلئ بها شد ظهره فتساند إلي أطراف أصابع قدميه يحاول رغم الازدحام أن يرسل عينيه إلي أبعد مدي يستطيع فيه أن يلتقط تفاصيل ما يحدث.. الشباب يمثل النسبة الأغلب والأكبر جاء من مختلف أطيافه وتجمعاته - صوتي مطلبي - 6 أبريل -الحملة الشعبية المستقلة لدعم د. البرادعي - من كفاية - من أحزاب الجبهة الديمقراطية والوفد والغد إن لم تختلط عليّ انتماءات هذا الشباب الرائع إلي جانب شباب من جبهات مصر ضد التزوير ومصر ضد التوريث تعاونوا في قيادة عملية تنظيمية لم تفلت إلا في لحظات الذروة، لم تفلت إلا عند وصول د. البرادعي وتدافع الجموع للتواصل معه .. ورغم أخبار عن محاولات لتخفيف الازدحام بمنع كثير من القادمين للمشاركة وإعادتهم قبل إمكانية الوصول إلي بوابة الصالة «3»، حيث كان مقررا أن يحدث الاستقبال.. يضاعف أرقام الحضور حرارة ووهج مشاعر حارة تترجم الأشواق لاسترداد الكرامة والعدالة والمواطنة وكل المضيع من حقوقهم الأصيلة والمبدئية في الحياة.. ما الذي يمكن أن يجمع ويأتي بهذا الحشد بتنويعاته البشرية المدهشة إن لم تكن طاقة عشق للوطن لم تهزمها كل صنوف الإقصاء والاستبعاد واختصار حقوق المواطنة والحياة في أصحاب السلطة والثروة والنفوذ؟ نسبة غالبة من الحضور تحمل ملامحهم وبساطتهم المتناهية بصمات اعتراك حياة ومعاناة فوق طاقة البشر.. إنهم لم يحشدوا في سيارات الحزب ولم تصرف لهم وسائل الإغراء والتشجيع ولم يلوح لهم بسيف المعز وذهبه.. الحضور بحضوره المهيب وهتافاته يتغلب عليها دائما سيد درويش «وبلادي بلادي».. النداءات حارة علي العدالة والديمقراطية تسقط ادعاءات أنها جبهات وحركات نخب - ربات بيوت - أمهات وجدات يسابقن الرجال - الزوجة الصغيرة الجميلة تسابق لتجد مكانا لنفسها وزوجها وطفليها وسط الزحام - في يد كل طفل علم - حمدت الله أن رفع الأطفال علم بلادهم لسبب آخر غير الكرة - الجدة علقت إشارة أنها من محافظة الشرقية - هي أيضا ترفع العلم وتقوم بمهمة مدهشة - اشترت مع ابنها مجموعة تذاكر من فئة الخمسة جنيهات للتذكرة التي لابد من قطعها لدخول الصالة «3» تهدي تذكرة لكل من فاته شراء تذكرة أو عجز نتيجة للزحام.. فتيات وسيدات في أحدث الموديلات والتسريحات.. ومحجبات ومحتشمات - لم أر سيدة النقاب التي يحاولون أن يتاجروا بصورة رفعها للأعلام في المطار للربط بين د. البرادعي وبعبع الإسلاميين مع أنه علنا وعلي الهواء مباشرة ومع الزميل أحمد المسلماني في برنامج «الطبعة الأولي» أعلن أن الديمقراطية تعني فتح أفق المشاركة لجميع القوي والتوجهات والجماعات المصرية.. من أين يأتي التواصل كأنهم علي اتصال يومي ولا يلتقون في المطار لأول مرة؟ وهذه اللغة المشتركة إن لم تكن من الآلام والمعاناة المشتركة وتجارب الواقع المشترك والتي رغما عنها الوجوه مشرقة بالأمل وببهاء وعمق معاني لحظات لا تبدو أن تكون فارقة في حياة أي أمة.. وأبناؤها يدركون قيمة أصواتهم ومشاركتهم وغضبهم لتحرير إرادتهم وبلدهم. ما حدث في مساء الجمعة 19 فبراير يستدعي مشاهد وأحداثاً من ثورة 1919 ووقائع استقبال المصريين للزعيم سعد زغلول ورفاقه لدي عودتهم من المنفي في مالطة ثم البقاء لأكثر من عامين لعرض القضية المصرية مع فارق جوهري أن المصريين 1919 كانوا يقاومون وجود الاحتلال، أما في 2010 فمرفوع عليهم أنهم تحت حكم وطني وحزب وطني.. ولكن هل يختلف الأمر كثيرا عندما يسود الاستبداد وأبدية السلطة وتوريثها وتكرس بخطايا دستورية!! لم أذهب إلي مطار القاهرة الجمعة 19 فبراير لأكون فقط في استقبال د.البرادعي، فلم أشرف من قبل بلقائه شخصياً وكتبت مرحبة بانضمامه إلي جبهات وجماعات العمل الوطني المطالبة بالتغيير السلمي والدستوري وباعتباره نموذجا مصريا محترما لم يتلوث بالفساد الذي تتفجر وقائعه الكارثية يوميا و أبطاله وقاعدتهم الغالبة من الحزب الحاكم - حتي في رئاسة مؤسسة الطاقة الذرية لم يكن مرشح النظام المصري ومع ذلك حرص دائما أن يؤكد انتماءه ومصريته - ولأنه ليس من سمع كمن رأي ذهبت إلي المطار لأرصد وأعيش المردود والحراك الجماهيري لنداءات التغيير ولدعوات جماعات العمل الوطني والتي لبي دعوتها وتبني رسالتها د. البرادعي للانضمام والمشاركة وليكون حالة إثبات عالية القيمة والقدر بما تضمه مصر من قيادات محترمة بشرط فتح الآفاق الموصدة بالمحرمات الدستورية في المادة «76» وبمشاركة مجالس نيابية مسئولة ومحررة من التزوير تأتي بها انتخابات تتوافر لها جميع شروط الشفافية والنزاهة والنظافة تسترد ثقة الجماهير وتنهي اعتزال 77% من المصريين لممارسة حقهم في اختيار من يمثلونهم تمثيلاً قوياً ومؤثراً ويوفر رقابة برلمانية حقيقية تنهي عبثية المجالس المتوافرة الآن وليكون في مقدمة الناخبين القوي والجماعات القادرة علي الاختيار السليم وليس توابع الحزب وأعضاء مجالسه المحلية وكل الخاضعين للإقطاع الحزبي الذي يحكم مصر الآن. أردت أن أعرف وألمس هل كنا كجماعات عمل وطني نحدث أنفسنا ولا أجد من جموع الشعب خاصة من البعيدين عن العاصمة بدأ يسمع ويستجيب للمفاجأة التي جسدها ما حدث في عصر ومساء 19 فبراير في مطار القاهرة وبمن جاء من جموع من مختلف الأطياف من محافظات مصر المختلفة ومن لهم صلات قريبة أو بعيدة بالعمل السياسي وممن لا صلة لهم إلا بوطن يختنق ويحترق ويختنقون ويحترقون معه، إنهم يريدون من جماعات العمل الوطني دوراً وفعلاً أكبر وأكثر تأثيرا في حمل رسالة آلامهم وأملهم في الإنقاذ والخلاص والتغيير.. ما حدث في 19 فبراير في مطار القاهرة أكد أن رسالة الجماعات الوطنية قطعت شوطا مهما علي خطوط التواصل مع الناس الذين وضعتهم وقائع الحياة المستحيلة التي يعيشونها علي الأعراف في انتظار النجاة من لهيب جهنم التي أشعلها من حولوا مصر من أرض أمان وخير وحضارة إلي فساد ونهب وسرقات وتلوث وافتقاد علم وتعليم وحضارة.. يعرف الجميع أن المهمة ليست سهلة في ظل نظام تشبث بأنه صاحب الحق الأوحد في الحكم وعلي الجميع أن يعمل بأدوار التجميل والتكميل والقبول بما يوزع من فتات كعكة الوطني - نظام يعرف أنه لا يملك حضوراً ووجوداً وشعبية حقيقية تؤمنه وتحصنه وتسمح له بأن يطلق انتخابات نيابية ورئاسية محررة من أكسجين التزوير - لا تريد جبهات العمل الوطني من د. البرادعي أن يكون المخلص والمنقذ.. الجميع يدرك المسئولية الجماعية التي جوهرها ومحركها الأساسي يجب أن يكون جموع الشعب والتي كان الحضور في مطار القاهرة نموذجا لها.. ولم يطلب د. البرادعي أبدا فيما كتب وهاتف من الخارج وحاور وتحدث رئاسة مصر الممنوعة والمحرمة إلا علي المحددة أسماؤهم في المادة «76» بل أن يكون شريكاً أو وسيلة لتغيير هذه الخطايا ليقول الشعب كلمته وليكون مصدراً حقيقياً للسلطات - حجم وكثافة حضور وكالات الأنباء العالمية والمراسلين الأجانب في المطار أكد الوزن الدولي لمكانته وللدور الذي حاز به احترام العالم والتي لم تفلح معها إطلاق بذاءات التهوين والتخوين وإسقاط القيمة والدور الذي عادت تشيد به وتؤكده صحف كبري عالمية - فساد وتجاوزات بعض الصحف الرسمية وما أطلق من تطاول وأكاذيب جعلت مشهد من أطلقوها ومن حاكوهم يدعو للرثاء.. يبدو أن هذا السقوط دفعهم إلي اللجوء إلي صنف آخر من الكتابات يدعي امتشاق سيوف المعارضة ويمزج القبلات والتحيات بالخناجر والكلمات المسمومة!! إنه أوان الفرز وأحوال مصر وما وصلت إليه لا تسر ولا يمكن أن يدافع عنها إلا من يجنون عز وثراء وجاه هذا الفساد والاستبداد الذي يراعي ويكافئ فرسانه الأوفياء وللأسف إن هذه المعارك تستنفد ما تبقي من أرصدة قوة وقدرة وإمكانات وطن مروع بالديون وبالتلوث والفساد والتفكك والرخاوة إلا فيما يحفظ أمن النظام.. وطن محكوم بقانون الطوارئ وبانتهاك حقوق الإنسان وبافتقاد شروط العدالة والمواطنة.. رغم كل هذا .. ما حدث في مطار القاهرة أراه شهادة حية أن قلب مصر مازال ينبض بالطاقة الكامنة في شبابه وشيوخه ونسائه ورجاله الذين ملأوا الصالة «3» يعلنون أوان مغادرة مرحلة الكمون والقبول بفروض القهر والاستبداد إلي شرف المقاومة بجميع الوسائل السلمية والدستورية كما تفعل الشعوب المحترمة التي لم تتردد في دفع أثمان الحريات وأن النجاح الذي تجلي في مطار القاهرة دفعة قوية لمزيد من الثقة في فاعلية هذا الحراك الوطني يدعمه تجمع إرادات وخطط عمل جماعات العمل الوطني وهي تتواصل أبعد وأقوي مع جموع المصريين وتجمعاتهم في كل مكان.. ما حدث في مطار القاهرة يذكر بخلاصة درس ما فعله د. البرادعي.. أنه عندما يكون الوطن في خطر فعلي كل أمين ومحب وقادر من أبنائه - خاصة الأكبر والأقدر -أن ينضم ويشارك جماعات المقاومة وجبهات العمل الوطني فما كان أسهل وأروع ما يمكن أن يفوز به البرادعي من مكاسب ومناصب رسمية لو عاد ليجلس في شمس حديقته ويشارك من خلال ثقله الدولي في دعم الاستبداد والفساد.. ما حدث في المطار الجمعة 19 فبراير يستحق اسم إعلان القاهرة للثقة في الحراك الوطني للمصريين الذي يجدد الأمل في الحاضر والمستقبل. أرجو أن يكون عدم اعتداء الشرطة أو ارتكاب أي تجاوزات مع الحشود في مطار القاهرة غير محاولات المنع التي تمت علي بدايات بعض الطرق الموصلة للمطار وعلي غير المعتاد في تجمعات أقل عدداً، أرجو أن يكون رشداً واتجاهاً جديداً من الحكومة لاحترام الحريات وحقوق الإنسان واتساقاً مع الموقف الصعب للوفد الحكومي أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتعهدات المطالب تنفيذها لتخفيف الانتقادات والإدانات للممارسات الحكومية والتي كان في مقدمتها حالة الطوارئ.. لعل محاولة إحراق المعبد اليهودي لا تكون وثيقة الصلة بإثبات مدي ضرورة بقاء المصريين تحت أحكام الطوارئ!! نشرت الأهرام 20/2 أنه بعد مفاوضات امتدت 4 ساعات بين وزيرة القوي العاملة وممثلي العمال المعتصمين بشركة طنطا للكتان منذ ما يزيد علي 12 يوماً أعلنت الوزيرة أنه في حالة قيام المستثمر السعودي بتصفية الشركة سيطبق المعاش المبكر علي العاملين بحيث لا يقل عن 35 ألف جنيه للعامل مع بحث موضوع المدد التأمينية خاصة أن أعداداً منهم لا تنطبق عليهم المدد القانونية.. وفق ما نشرته «الدستور» منذ أيام قليلة تكلف علاج عيون وزير المالية من جيوب المصريين ما تجاوز المليون جنيه في عام واحد، بينما ثمن شقاء وعمر عامل مصري لا يتجاوز 35 ألف جنيه، ووفق ما أعلنه النائب المحترم د.جمال زهران ونشرته «الدستور» 18/2 أن :« 1000 موظف في الدولة يتقاضي الواحد منهم مليون جنيه راتبا شهريا، بينما المساكين من كبار المستوظفين يتراوح رواتبهم ما بين 500 ألف و700 ألف شهريا، وأن هناك دخولا بالرواتب وحيل الإضافات تصل إلي 10 ملايين جنيه»، أي والله 10 ملايين جنيه شهريا، بينما وزير التنمية الإدارية يعلن أن الحكومة وموظفيها الأكثر فسادا، بينما الحقيقة أن الأكثر فسادا من قبلوا وأرادوا وترأسوا وتكسبوا من هذا الفساد الفاحش. لماذا أريد أن أنهي سطوري بمقولة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري «عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج علي الناس شاهرا سيفه» واستسمح في إضافة: عجبت لمن لم يجدوا حقوقهم الأصيلة في أرضهم وثروات بلدهم وفي عدالة توزيعها وفي احترام كرامتهم ولم يخرجوا شاهرين حقوقهم الدستورية والإنسانية والقانونية والدولية في فريضة التغيير.