عام على الثورة.. والسوريون منقسمون ثورة أم مؤامرة.. سؤال قد يكون فى محله فى بداية الثورة، لكن أن يظل مطروحا بعد عام من اندلاعها هو ما يجعلك تقف دقيقة لتفكر.. لتكتشف بعد برهة أنك تقف بالفعل أمام نصف ثورة، فنصف شعب ثائر على الظلم وعلى نظام تآكلت أوصاله يستخدم آلة القتل ويعذب ويقتلع الحناجر لمجرد أن يحافظ على كرسى الحكم ويحرم شعبه حلم «الحرية». ولكن أمام هذه المآسى غير الآدمية التى تعيشها سوريا، ثمة نصف آخر من الشعب السورى وإن كانوا ضد النظام، ولكنهم محاطون بمخاوف الحرب الأهلية الطائفية مستقبلا، ومحاصرون بالمصالح السياسية حاليا، وأنظمة تسهم فى تسليح الثورة التى بدأت سلمية، وأنظمة ارتدت قناع «فانديتا» لتدافع عن حقوق إنسان أهدرتها بامتياز فى معتقلات جوانتانامو وأبو غريب، وتغاضت عنها فى غزة، وأخرى ذات طلة خليجية وجدت ضالتها فى سوريا بحثا عن دور «بطولى» أو رغبة فى إسقاط نظام معادٍ لها، ولم تتورع عن الدعوة إلى تدويل وتدخل عسكرى ينذر بخراب سوريا.. ناهيك ببلاد التزمت الصمت واكتفت بالتعبير عن القلق. كل تلك الأحداث المتلاحقة تُدخلك فى دوامة مخيفة من التساؤلات.. تجعلك تتشكك حتى فى ما تراه وتسمعه.. تجعلك توقن أن الكل «كاذبون».. تجعلك تدرك أن الصادق الوحيد هو متظاهر مسالم خرج يبحث عن حريته. مظاهرة بدمشق.. ثم مواجهات دامية فى درعا.. وصولا إلى شعار «إسقاط النظام» بعد مرور قافلة الربيع العربى بتونس ومصر واليمن ثم ليبيا، بدأت رياح الثورة تحوم حول سوريا إلى أن جاءت الدعوة إلى التظاهر فى كل المدن السورية فى منتصف مارس من العام الماضى عبر صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011» على «فيسبوك». فى البداية قامت قوات الأمن بفض تجمع ضم نحو 150 محتجا بالعاصمة دمشق فى 16 مارس حملوا صورا لأقاربهم المسجونين، وبعد يومين جاء دور محافظة درعا الجنوبية، حينما اندلعت المظاهرات السلمية فى جمعة «الكرامة» 18 مارس، اعتراضا على اعتقال وتعذيب 15 طفلا من أطفال المدارس على يد إدارة الأمن السياسى. جاء رد قوات الأمن على التظاهرات بأن فتحت النار على المتظاهرين، واستمرت التظاهرات أسبوعا كاملا وقتل خلالها نحو 100 شخص. أسندت السلطات أحداث درعا إلى عصابات إرهابية، ثم ما لبث أن أصبحت المظاهرات حاشدة تضم آلاف المتظاهرين فى مختلف المدن السورية. فى أعقاب هذه الأحداث قدمت الحكومة السورية استقالتها وخرجت مسيرات بدمشق مؤيدة للأسد الذى ألقى خطابه الأول 30 مارس الماضى واعدا بإصلاحات. بعد 48 عاما متصلة، تم رفع حالة الطوارئ فى 19 أبريل وعقب هذا التاريخ بستة أيام، شن الجيش السورى أول حملة عسكرية موسعة على مدينة درعا فى 25 من الشهر ذاته، مدعوما بدباباته وآلياته العسكرية. توالت حملات الدهم والاعتقال والاقتحام والعمليات العسكرية فى مختلف المدن السورية، إلى أن قام النظام الأسدى على أبواب شهر رمضان، باقتحام مدينة حماة بعد شهر من الحصار وقصفها بقذائف الدبابات. بعد هجوم حماة كان للاذقية نصيب فى هجوم حربى برى وبحرى بالزوارق الحربية كان الأول من نوعه فى منتصف أغسطس الماضى. فى هذا التوقيت، تكون الجيش السورى الحر من مجموعة من المنشقين بقيادة رياض الأسعد وهو عقيد سابق فى سلاح الجو السورى ولا يعرف على وجه التحديد عدد المنضمين إليه ومقره الحدود السورية-التركية. كان لحمص الملقبة ب«عاصمة الثورة السورية» نصيب وافٍ من العنف، مما دفع المجلس الوطنى السورى، الذى تكون فى أكتوبر من العام الماضى برئاسة المعارض الأكاديمى برهان غليون، لإصدار بيان فى أوائل شهر نوفمبر يطالب بإعلان حمص مدينة منكوبة. وفى ديسمبر أعلن السوريون إضراب الكرامة. خرج الأسد ليعلن فى مقابلة مع قناة «أى بى سى» الأمريكية قائلا «أنا رئيس.. لست مالكا للبلاد.. إذن هذه ليست قواتى»، مؤكدا أن الزعيم «المجنون» فقط هو الذى يقتل شعبه. مع بداية عام 2012، كان الأسد قد ظهر بين مؤيديه فى ساحة الأمويين بدمشق، وأكد فى أول يناير أنه لن يتنحى. فى الشهر الماضى، قام بشار باستفتاء على دستور جديد يضع سقفا لمدة الولاية الرئاسية، بينما قامت قواته بمجزرة وحشية وعملية إبادة بحى بابا عمرو بحمص قتل خلالها صحفيون أجنبيون وأصبحت حمص تحت قصف متواصل وسط أوضاع إنسانية شديدة التردى. كانت منظمة «آفاز» الحقوقية العالمية قد تحدثت فى تحليل سابق لها عن الأعداد المتزايدة للسوريين الذين يقبلون على شراء الأسلحة من لبنان، خصوصا من وادى البقاع، إلا أن عمليات التهريب لا تتم بفاعلية، نتيجة عرقلتها من قبل النظام. فى الوقت ذاته، أكد سياسى لبنانى بارز معارض لنظام الأسد ل«آفاز» أن عمليات التهريب تتم تحت عين النظام السورى، معلقا بقوله «يكفى النظام السورى ساعتين لتأمين الحدود ومنع تهريب الأسلحة لكنها تتم تحت عينه وبرضاه»، مما يعنى أن النظام السورى يسعى لإثارة العنف مع العلم أنه بحاجة إلى السماح لقدر معين من المقاومة المسلحة من أجل تبرير قمع المدنيين تحت مطاردة العصابات المسلحة. أيضا تحدثت المنظمة فى ديسمبر الماضى عن عمليات انتقامية تتم بين الأحياء السنية والعلوية فى حمص كرد فعل على قيام شبيحة الأسد بأعمال القتل والتعذيب فى الأحياء السنية ويحاول النظام تذكية العداء الطائفى بين الجانبين ويقوم بتسليح العلويين. محافظات عديدة رفضت الخروج على نظام بشار خوفا من الحرب الأهلية حماة، حمص وأحياؤها، الرستن، درعا، إدلب، جسر الشغور، معرة النعمان، دير الزور، دوما.. كلها مدن اشتهرت وذاع صيتها خلال أحداث عام على الثورة السورية، لكن هناك أيضا فى المقابل مدنا عديدة لم تطرق الثورة أبوابها، ولم يسمع قاطنوها عن تلك الأحداث إلا فى وسائل الإعلام. وتتباين الأسباب التى يقدمها سكان تلك المدن حول عدم مواكبتهم لموجة الثورة، فرغم أن عددا منهم غير مؤيد لسياسات بشار الأسد، فإنه يخشى أيضا من مصير ليبيا والعراق وأن تغرق البلاد فى حروب طائفية وقبلية إذا ما حدث أى تدخل خارجى، مما سيؤدى إلى حرب أهلية لا مخرج منها إلا بتقسيم البلاد، كما أن آخرين يعتقدون أن تلهف القوى الخارجية على كسر نظام الأسد حتى لو كان ظالما ليس من باب نصرة الشعب السورى، ولكنه لخدمة أغراض سياسية واضحة سيكون أهمها حرمان تل أبيب من عدو قوى على حدودها مما يجعلها تدعم وبقوة التدخل العسكرى لحل الأزمة السورية. «التحرير» ستستعرض لكم عددا من المدن والمحافظات التى لم تطرق الثورة أبوابها: طرطوس، محافظة صغيرة تطل على البحر الأبيض المتوسط من الجهة الجنوبيةالغربية، تحوى الميناء الأهم فى سوريا، ولعلها أقل المدن مشاركة فى المظاهرات حتى الآن، حيث تسير حركة العمل فيها بصورة منتظمة، حتى إنه يتواصل فيها حتى أيام قليلة تدشين وإنشاء مشاريع حيوية وخدمية بلغت قيمتها 227 مليون ليرة على حد قول وكالة الأنباء السورية (سانا). فى وسط سوريا تقع محافظة الرقة التى يقطنها نحو مليون نسمة وتضم 5 مدن هى «الرقة، والثورة، وتل أبيض، ومعدان، وعين عيسى» القراء لم يسمعوا عن تلك المدن فى نشرات الأخبار أو على صفحات الجرائد على ما يبدو لأن سكانها مشغولون، يفضلون الزراعة على المياه المنحسرة وراء سد الفرات. القنيطرة، محافظة فى جنوب سوريا تقع بالقرب من درعا التى تعد إحدى المحافظات الثائرة ضد النظام، ولكن المدينة التى خضعت لفترة تحت الاحتلال الإسرائيلى خلال حرب النكسة أبت أن تخرج ثائرة خشية أن يتسبب خروجها فى حرب أخرى يعانون هم ويلاتها. السويداء، محافظة أخرى فى الجنوب السورى لكنها تقع فى تلك المرة مع الحدود الأردنية، يسكنها أكثر من 700 ألف نسمة معظمهم من الدروز، ولعل ذلك هو السبب الذى جنّب المدينة -التى قاد منها سلطان باشا الأطرش ثورة سوريا الكبرى ضد الانتداب الفرنسى عام 1925- المشاركة فى الثورة، فالطائفة الدرزية حتى الآن ما زالت تقف على الحياد بالنسبة إلى الثورة السورية، فهى مع تغيير نظام الأسد البعثى المتهالك، ولكنها ضد عسكرة الثورة والتدخل الخارجى خشية أن يؤدى هذا إلى حرب أهلية سيكون الشعب السورى هو الخاسر الأول والأخير فيها، حسب قول حمود الحناوى شيخ طائفة الموحدين الدروز فى سوريا. حلب، العاصمة التجارية لسوريا، رغم كل الأنباء التى تفيد تحرك ثانى أكبر محافظات سوريا من حيث تعداد السكان حيث يسكنها نحو 3 ملايين نسمة، إلا أن معظم أنحائها لا تزال بعيدة تماما عن مركز أحداث الثورة فلم نسمع حتى الآن عن خروج مظاهرات فى منبج ولا الباب ولا دارة عزة ولا السفيرة ولا عين العرب ولا جرابلس. والأمر ذاته فى دمشق فانتشار المظاهرات والاحتجاجات فى ريف دمشق خصوصا فى دوما والزبدانى، إلا أن هناك أماكن عديدة فى المحافظة الأكبر تعدادا للسكان بأكثر من 3 ملايين نسمة لم تغزها الثورة، فها هى العاصمة السورية دمشق وأحياؤها القديمة بعيدة عن التظاهرات إلا فى ما ندر، كما أن هناك مدنا عديدة فى ريف دمشق لم تعرف طريق الثورة بعد مثل جوبر ويبرود وقطنا والقطيفة.