لماذا يرفض كثير من (الإسلاميين) – مع تحفظي على هذا المصطلح- الرئيس قبل الدستور؟ الذي حدث هو أنه قد جرى تضخيم متعمد أو غير متعمد في توقعات بعضهم بشأن الدستور الجديد وما يمكن تحقيقه فيه، وانتقل الكلام من الحفاظ على نص المادة الثانية في الدستور القديم، التي قد تم التأكيد مرارًا من التيارات كافةً على أنها لن تُمس -وهي غير قابلة للمساس في حقيقة الأمر- إلى الحديث عن تفعيل هذه المادة الثانية، أو إجراء تطوير في نصها بما يضمن المزيد من (إسلامية) الدولة، أو حتى وضع دستور (إسلامي) تأتي به أغلبية في مجلسي الشعب والشورى. وكل هذا بالطبع مجرد خيالاتٍ وأوهام في أذهان أصحابه والناطقين به، جرى تغذيته من قِبَل بعض الأصوات التي إما تعلم حقيقة الوضع ولكنها لا تصارح الناس بذلك، أو لا تعرف شيئًا من ذلك وتتكلم بما لا تُحسن فهمَه. فلا المجلس العسكري الذي يدافع عنه بعضهم سيسمح بشيءٍ من ذلك، ولا الأغلبية البرلمانية تضمن شيئًا من ذلك، لأنها ببساطةٍ لن تكون بمنأى ولسنواتٍ قادمةٍ إذا استمر الحال كما هو عليه من تدخلات الجيش وتوجيهاته. ثم إن الإخوان أنفسهم لا يريدون ذلك، وغاية ما يريدون هو الإبقاء على المادة الثانية كما كانت في الدستور القديم، وهو ما سيحدث بالفعل. لقد كان يتملكني شعورٌ بالاندهاش الشديد حينما أسمع في كلام بعض إخواننا أشياء من قبيل أن الدولة (الإسلامية) قد صارت قاب قوسين أو أدنى، وأنه لا شيء يفصلنا عن ذلك سوى الانتخابات، وأننا على وشك تغيير شامل نحو إسلامية الدولة. إن مثل هذا الكلام الذي تردد كثيرًا كان يستوجب من بعض المتبوعين إيضاحًا وتصحيحًا، لأنه ليس صحيحًا ولا أساس له في الواقع، ولا يمكن الوصول إليه بمجرد أغلبية برلمانية، هذا إن تحققت أصلاً، ولن يفعله المجلس العسكري مجاملةً ولا إرضاءً لهم بحالٍ من الأحوال، بل سيجعل من إمساكه بزمام الأمور ضرورةً حتميةً لكثيرين لحمايتهم من (الإسلاميين) وطموحاتهم تلك. وما زال بعض الإخوة يعيش على الأوهام نفسها، ولذلك انتظر الانتخابات البرلمانية بفارغ الصبر، وكأنها ستحمل معها حدثًا تاريخيًّا جللاً، بدلاً من الالتفات إلى المصالح الآنية (الخاصة) للمشاركة السياسية: من ضمان الحريات، وعدم عودة الاعتقالات والتعذيب، وعدم عودة أمن الدولة إلى نشاطه السابق (وهو الأمر الذي لم يحدث)، وتأمين حرية الدعوة ومساجدها، وعدم التمييز ضد الإسلاميين في التعيين بالمؤسسات والجامعات والتعليم وغيرها، وإمكانية تعطيل أو إلغاء بعض القوانين التي تتناقض مع الشرع الشريف بشكلٍ صارخ، إلى غير ذلك من الفوائد (الخاصة) المرجوة من المشاركة السياسية في الوقت الحالي، بالإضافة إلى الفوائد العامة التي تصب في مصلحة المجتمع وتقدمه على وجه العموم، وبناء دولة العدل التي نريد. وعليه فإن بعض الواهمين من الشباب خاصةً تنتابه حدَّة شديدة وغضب حينما يوقظه أحدٌ من حلمه الجميل، ويهبط به إلى أرض الواقع، أي ما يمكن تحقيقه بالفعل، لا ما يتمنى هو تحقيقه. ثم إنه يجد الفرصة سانحةً لإخراج هذا الشعور بالغضب والإحباط تجاه رؤوس المشتغلين بالعمل السياسي من الإسلاميين أنفسهم، وكأنهم المسؤولون عن هذا الواقع، المتسببون فيه، والأمر ليس كذلك أيضًا، فإن أحدًا في نفس موقعهم لن يمكنه التصرف بشكلٍ مختلف، أو إرضاء هؤلاء الناقمين بما لا يملك تحقيقه أو فعله. ولكن ما ما يملك هؤلاء تحقيقه وفعله حقيقةً هو مصارحة أنصارهم بحدود ما يستطيعون فعله وما لا يستطيعون، وهو الأمر الذي لا يفعلونه، ولذلك فعندما انتهى مفعول الانتخابات البرلمانية صار بعضهم يترقب الانتخابات الرئاسية بالذهنية نفسها وكأن الوضع سيتغير بعدها، مع أن شيئًا لن يتغير. إنه ليحزنني أني لم أر الغضبة نفسها تجاه كثيرٍ من أهداف الثورة ومطالبها المشروعة التي لم تتحقق، وكأن هذه الأمور لا تعنيهم في شيء، كما أن أحدًا لن يعطيك شيئًا على طبق فاخر وأنت جالس متكئاً على أريكتك، مكتفيًا بنقد الثورة وشبابها. والحق أني أستغرب ممن يريدون جني ثمار أشياء لم يفعلوها بل عارضوها وهاجموها، وقد صارحتُ أحدهم بذلك ذات مرةٍ فأجابني: (ألم تسمع عن غنيمةٍ بدون تعب؟) فإذا كان هذا منطقهم فلا أدرى ما أقول. فلنتعامل إذن مع الواقع الذي قد يكون مريرًا، ونكف عن الحديث عن أوهام، أو مداهنة العوام ودغدغة مشاعرهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.