كنت أتمنى أن لا يتحدث الأستاذ إبراهيم الهضيبى حفيد المرشد العام لجماعة الإخوان عن تزوير التاريخ («التحرير»- 4 سبتمبر).. ردا على ما كتبته عن المستشار طارق البشرى وتعديلاته الدستورية. لأن الجماعة لم تبرع فى شىء عبر تاريخها قدر براعتها فى «التزوير». بالإمكان أن نرصد مئات المواقف منذ تأسيس الجماعة وحتى اللحظة الحالية. ويكفى أن أنعش ذاكرته بموقفين.. الأول ارتبط بجده الذى صرح لجريدة «المصرى» فى 9 أغسطس عام 1952 «بعد أيام من الثورة» بأن الجماعة لم تعلم شيئا عن حركة الجيش، وأنه قدم برنامجا لضباط الحركة من أجل حكومة إسلامية تحكم بكتاب الله. التصريح يبدو عاديا ولكن ما ليس بالعادى خروج قيادات الجماعة بعد ذلك للحديث عن مشاركة الجماعة فى التخطيط وتنفيذ حركة يوليو. هل نصدق الجد أم مؤرخى الجماعة ومنظريها الحاليين؟! الأمر نفسه يحدث الآن مع ثورة يناير التى رفض الإخوان المشاركة فيها منذ البداية وقدموا مطالبهم الإصلاحية إلى نظام مبارك.. وعندما أيقنوا نجاح الثورة انضموا إليها، لكن بشعار «ثورة ثورة حتى العصر!». ومن يستمع إلى شهاداتهم فى قنوات التليفزيون يدرك كم التزوير الذى تمارسه الجماعة التى تراهن على الذاكرة الضعيفة للشعب. هذه ملاحظة أولى على عنوان المقال الذى استخدم كاتبه أساليب الجماعة فى اللف والدوران وخلط الأشياء، حتى إنه اتهمنى بتأييد «كامب ديفيد» التى لم أشر إليها من الأساس، وإنما تحدثت عن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان (1948) أى اتفاقية لم يوقعها النظام السابق، وإنما تعتبر نتاجا لكفاح الشعوب مجتمعة من أجل الحرية. وما قلته إنه من غير المنطقى أن يأتى الدستور المصرى الجديد أقل مما وقعت عليه مصر فى اتفاقيات حقوق الإنسان، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية السياسية من أنه «لا يجوز تقييد أى من حقوق الإنسان الحقيقية المقررة فى أى دولة طرف فى الاتفاقية، استنادا إلى القانون المحلى أو الاتفاقيات أو اللوائح أو التحلل منها، بحجة عدم إقرار الاتفاقية أو إقرارها بدرجة أقل». وأظن أن المواطنة والحرية والمساواة أشياء لا يمكن الخلاف عليها، ولا التهاون فيها بأى حال من الأحوال. ماذا فعل طارق البشرى ولماذا الخلاف حول المبادئ الدستورية؟ هو موضوع مقالى وموضوع تعليق الهضيبى، وأحب أن أزيل بعض الالتباس عما كتبت وفهم الهضيبى الصغير. أولا: اعتبر البشرى أن المبادئ الدستورية «عبث» و«التفاف على رأى الشعب والجماهير».. لكن العبث الحقيقى هو التعديلات التى قام بها المستشار الذى وضع «دستور» الدولة القادم فى يد الأغلبية التى ستأتى إلى البرلمان.. سواء أكانت هذه الأغلبية تيارا ليبراليا أو فلول الحزب الوطنى أو حتى تيارات الإسلام السياسى، الذى يتحرك للأسف كأنه ضمن اكتساح الانتخابات. ألا يمكن أن يسيطر «الفلول» على البرلمان القادم، وبالتالى يصبح لهم الأغلبية فى تشكيل الدستور وفق ما يريدون.. وهم جماعة منتخبة من الشعب؟ كما أن الأغلبيات البرلمانية المتغيرة لا تضع دساتير ثابتة، وإلا أصبحنا أمام عملية تغيير للدستور كل أربع سنوات مع تغيير الأغلبية الفائزة فى الانتخابات، اللهم إلا إذا وصل الإخوان إلى السلطة وغدروا بالديمقراطية على طريقة النظام السابق. والمعروف -وأظن أن المستشار البشرى يعرف ذلك مثلنا- أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكما عام 1994 أكدت فيه أن اللجنة التأسيسية لإعداد دستور جديد هى أعلى سلطة فى الدولة، حيث إن اللجنة التأسيسية هى من تضع الدستور الذى يوزع الصلاحيات ويفصل بين السلطات الثلاث فى الدولة، المتمثلة فى السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وما فعله البشرى أنه منح السلطة التشريعية سلطة أن تحدد لنفسها صلاحياتها. كانت فكرة المبادئ الدستورية هى محاولة «أضعف الإيمان» لتدارك مؤامرة طارق البشرى وصبحى صالح. وأظن أن كثيرا من التيارات السياسية وافق عليها «باستثناء الإخوان والسلفيين» على أساس أنها تضمنت مبادئ لا يختلف عليها أحد: هل يختلف أحد على حرية الإنسان، أو رفض تعذيبه واعتقاله فى السجون، أو محاكمته أمام محاكم استثنائية، أو حتى حقه فى اختيار دينه وحزبه السياسى. «لا أظن أن الإسلام كدين يقف أمام هذه الحقوق» وللأسف ممارسات الإخوان أو السلفيين تعطى هذا الإحساس. ما الخلاف إذن؟ هل المادة الثانية، التى لم يمسها أحد وإنما أضيف إليها فقط جملة «ولغير المسلمين من أصحاب الديانات السماوية الاحتكام إلى شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية».. وهو ما اعتبره كاتب مثل فهمى هويدى بمثابة إضعاف للمادة.. وكأن على الأقباط السير على الشريعة الإسلامية فى أحوالهم الخاصة. ولسنا فى حاجة إلى تأكيد أن غياب هذه المادة لن ينفى الإسلام عن المصريين. وهو أمر يقودنا إلى إشكالية الهوية.. التى تحتاج إلى كلام مفصل!