هناك فيلم بديع لا أمل من مشاهدته أبداً مأخوذ عن رواية شهيرة لأجاثا كريستي عنوانها «شاهد الادعاء». قام بتمثيل الفيلم تيرون باور ومارلين ديتريتش ومعهما الممثل العظيم تشارلز لوتون في آخر أفلامه عام 1957، شاهدته للمرة الأولي في برنامج نادي السينما الذي أتحفتنا من خلاله درية شرف الدين بروائع الأفلام، ثم اشتريته بعد ذلك واحتفظت به في مكتبتي. يروي الفيلم حكاية رجل ارتكب جريمة قتل لامرأة ثرية واقعة في غرامه من أجل الفوز بأموالها التي كتبتها له في الوصية. تشير كل الأدلة والقرائن والملابسات إلي أن هذا الرجل هو القاتل، وتمضي المحاكمة العادية في سكة ادانته ووضع حبل المشنقة حول رقبته.. ومما يزيد من حرج موقفه أن تتقدم زوجته في مفاجأة مدوية بالشهادة ضده وتقر أمام المحكمة بأنها شاهدته يرتكب الجريمة. هنا تأخذ المحاكمة منحي جديداً ويتم وضع كل الأدلة والقرائن جانباً والإمساك بشهادة الزوجة التي جعلت الحكم بإعدامه أمراً حتمياً. وعندما تبدأ الجلسة الأخيرة التي سيتم في نهايتها النطق بالحكم تحدث معجزة تنقذ الرجل من الموت عندما تتقدم امرأة أخري للشهادة مقدمة دليلاً يقينياً علي كذب شهادة الزوجة، وتقوم المرأة المجهولة بهلهلة شهادة الزوجة وتفنيدها وبيان كذبها..تلك الشهادة التي انبنت عليها القضية من الأساس. وهنا لا يجد القاضي مفراً من الحكم ببراءة المتهم علي ضوء شهادة المرأة التي ظهرت من العدم من أجل مهمة مصيرية هي إنقاذ المتهم. بعد ذلك تفاجئنا أجاثا كريستي بأن المرأة التي قامت بالشهادة التي أنقذت الرجل لم تكن سوي الزوجة نفسها التي استخدمت تكتيكاً شيطانياً فريداً من نوعه لهدم القضية من الأساس فشهدت ضد زوجها في البداية وبهذا جعلت القضية تقوم علي تلك الشهادة، ثم قامت بالتنكر كممثلة قديمة في شكل امرأة أخري وأدت أمام المحكمة دوراً مسحت فيه شهادة الزوجة وفندتها وبهذا نجحت في إنقاذ زوجها القاتل. ما حدث بعد ذلك من مفاجآت في نهاية الفيلم لا أهمية له الآن في الحديث الذي أهدف اليه من الحدوتة السالفة. ما رأيكم في أن أحداث الفيلم تقريباً تحدث أمامنا في المسلسل الذي نتابع فصوله مع سولي!. في حدوتة سولي يقوم أقرب الناس إليه من الذين آووه واحتضنوه وسكتوا عن أفاعيله بتقديم شوال من الوثائق والمستندات التي تثبت تورطه في شتي أنواع الفساد مشفوعة بكبشة من التهم ضده كفيلة بتسكينه اللومان طوال ربع القرن القادم وذلك في مفارقة لا يصدقها العقل.. وهذا بالضبط ما فعلته الزوجة في الفيلم!.. وهنا يعتقد الجمهور الطيب بأن سولي قد وقع أخيراً وأنه سوف يلقي جزاءه.. لكن العارفين بالأمور يدركون أنه من المتوقع أن يقوم جناح آخر من أصدقائه المحبين (يفعلون ما فعلته الزوجة المتنكرة) بتستيف وتدبيج وإعداد الحجج والدلائل القاطعة التي تنسف المستندات السابقة من أساسها، وبعدها يتأكد لجمهور المشاهدين طهارة ذيله من كل ما حاول الأشرار أن يرموه به، وبهذا يخرج من الموضوع شهيداً مرفوع الرأس موفور الإباء وقد يطالب الدنيا بالاعتذار له وربما يرفع عليها قضية ويطالب بالتعويض!. فيالعبقرية أجاثا كريستي التي ماتت منذ سنوات طوال ومع ذلك ما زالت أعمالها تلهم اللصوص وأصدقاءهم.. اللصوص!.