سامحني يارب إن تجاوزت في تخيلاتي من فرط جهلي .. فأنا أعلم يقينا أن الجنة نعيم مقيم .. لا حزن فيها ولاغضب .. " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة " .. أعرف ذلك يقينا ، وأعرف أيضا مكانة الشهداء عندك ، سبحانك جل علاه .. غير أني - واغفر لي تجاوزي وشططي - أشعر بشهداء ثورة مصر حزانى في جنتك .. رغم كل النعيم الذي يعيشون فيه .. فما حدث بعد ثورتنا وما ضحوا به ، عكّر عليهم فرحتهم وسعادتهم وهم في رحاب الرحمن .. في رحابك يا رب العالمين. وصل جبروت خلقك أن انتزعوا الفرحة من شهدائك وهم في جنتك .. فأشعر بهم وهم يبكون على مصر التي خلّدت اسمها في كتابك الكريم .. ضحوا بحياتهم من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم .. ولم يتحقق شيء واحد مما كانوا يحلمون به .. لم يتخيلوا ولو للحظة أن بعد استشهادهم في 25 يناير الماضي سيلحق بهم شهداء آخرون .. ظنوا بعد مبارك أن البلد في أياد أمينة .. غير أن هذه الأيادي غدرت بالكثيرين .. لا سمحت بحرية ولا طبقت العدالة ولا نعمنا بعد الثورة بالعيش الكريم.. بل بالعكس اجتهدوا كي يجعلوا الكثيرين يكرهون ثورتنا.. لأنهم هم أساسا يكرهونها. فقد كانوا يظنون أن أقصى أمانينا أن يرحل مبارك ، ولم يدر بخلدهم ولو للحظة أن حق الشهداء لن يرجع فقط برحيل زعيم العصابة .. بل بالقصاص العادل منه ، ومن كل أفراد عصابته. ولأنهم يتخيلون خطئا أن شعب مصر غبيا ، ضحكوا عليه بتمثيلية وضيعة اسمها " محاكمة مبارك " .. ليخرج منها سليما معافا ، فلا دليل مادي واحد ضده .. ويظنون أن التمثيلية الغبية التي لها قرابة العام ولم تنته بعد ، ستضع حدا للمظاهرات والمطالبات .. فقد قال القضاء العادل كلمته .. وهو قضاء عادل بالفعل لا نشك فيه لحظة .. غير أن الأوراق أمام القاضي ليست بكافية للإدانة .. وما كان يجب من الأصل ان تسير المحاكمة على هذا النهج .. الثورة كانت تحتاج محكمة ثورة .. مبارك لم يحرّض على قتل المتظاهرين من 25 يناير حتى 10 فبراير .. بل أنه قتل بالفعل شعبا كاملا بالمرض والذل والفقر والعوز وكسرة النفس وقلة القيمة .. " فين ما كنا نروح وتحط أقدامنا ". من أجل ذلك وبسببه .. أشعر بدموع شهدائنا عندك .. أسمعهم في منامي وصحوتي ، كأنهم أمامي أحدثهم ويحدثونني .. يقولون لي : ليه لحد دلوقتي ساكتين .. اللي اتقتلوا عند ماسبيرو .. مين قتلهم وسيبتوه ليه؟ .. مين قتل الشيخ عماد ود - علاء وطيّر عينين أحمد حرارة؟ .. سيبتوهم ليه ؟ لسه بتخافوا ؟ .. أمال إحنا ما خفناش ليه؟ .. أد كده دمنا رخيص عندكم .. ضحينا بروحنا عشان روحنا ونور عينينا مصر.. هى برضه مش " مصركم " ؟ .. محدش يخاف تاني ، وإلا يبقى كل اللي عملناه وضحينا بيه راح هدر .. الخوف قلة قيمة وقلة كرامة .. ومصر قيمة وكرامة وعزة نفس ، وولادها لازم يبقوا زيّها .. موتوا زيّنا .. وإيه يعني .. حد طايل يموت شهيد .. عشان ولادكم تعيش تتنفس حرية وعدالة وعزة وكبرياء. إنزلوا الميدان تاني واحنا حنبقى معاكم .. مش حتشوفونا ، لكن حتحسوا بينا .. بس انزلوا.. والمرة دي محدش يمشي ، إلا لما مصر تنظف بجد ، وكل واحد ياخد حقه .. اللي غلط يدفع التمن ، واللي واقف مع الحق ، شيلوه فوق راسكم. ... يارب .. محكمة الدنيا حتبرأ مبارك .. فنريد محكمتك أنت .. محكمة العدل المطلق.. يارب .. بارك في ثورتنا وابعث بأرواح شهدائنا ومعها ملائكتك ، تحوم في سماء التحرير ، تحفظ أرواح الثوار .. يارب سنخرج من أجلك وفي حماك ورعايتك ، فلا تجعل أياد الجبناء تنال منا .. سيكون بيننا شباب وبنات وعواجيز وأطفال صغار يتطلعون لمستقبل أفضل .. مشرق ومنير .. فاحفظنا يارب من شياطين الإنس .. وحدك أنت القاهر.. ووحدك أنت العليم القدير. حتقولوا مات الولد اقول لكم لأ عاش ما الجنة مفيهاش موت ولا تتدخل ببلاش