بمناسبة ما يتردد حاليا بشأن نية الست الحكومة ترشيح لواء شرطة سابق لمنصب بارز في مجلس حضرتها القومي لحقوق الإنسان، يسعدني إعلان احترامي للجميع وتذكيرهم بأن تعبير «الدولة البوليسية» مصطلح سياسي معروف وشائع يستخدم لوصف أبرز سمات وملامح النظم الاستبدادية والقمعية التي تحول مؤسسات المجتمع والدولة إلي شيء أشبه بجهاز أمني متورم ومتضخم تديره جيوش المباحث والمخبرين الذين يدسون أنوفهم في كل شيء ويَعبرون بنفوذهم وسطوتهم فوق أي اعتبار وكل اختصاص. لكني أذكِّر القراء الأعزاء بأنني كثيرا ما كتبت محذرا من خطأ وضع المستبدين والديكتاتوريين ونظم الحكم التي يقيمونها في سلة واحدة والنظر إليهم جميعا باعتبارهم متساوين ومتماثلين، لأن الواقع أنهم وإن وحَّدهم وجمع بينهم السوء والبشاعة مختلفون ومتفاوتون ليس فقط في مستوي الكفاءة والمهارة بل أيضا في درجة التدمير والتخريب الذي يحدثونه في مجتمعات البلدان المبتلاة بشرورهم والرازحة تحت أوزارهم، وذلك تبعا لاختلافات وتفاوتات معقدة بعضها له علاقة بتباين ظروف هذه المجتمعات، وبعضها الآخر يتعلق بالسمات الشخصية والمؤهلات العقلية للديكتاتور نفسه ومقدار حظه ونصيبه من التعليم والذكاء أو الجهل والغباء. هذه التباينات والاختلافات بين نوعية ديكتاتور وآخر تنعكس وتظهر بوضوح في ملامح وسياسات وآليات عمل نظام الحكم الذي يقوده كل منهم، وتتجلي خصوصا في حجم ومستوي ما يتوفر لهذه الأنظمة من مهارات قد ترتفع في نظام ديكتاتوري معين إلي درجة أن يبدو علي قسوته وقبحه متوفرا علي بعض الشمائل والإنجازات ويتمتع ب «صورة» فيها شيء من ملامح الرصانة والجدية، لكن القدرة والكفاءة قد تنحط وتنخفض في نظام آخر لحد أن يصبح منظره هزليًا وعبيطًا ويصعب علي الكافر، وربما أحيانا ينجح في إثارة ضحك وشفقة جموع ضحاياه المقهورين. وإذا ما عدنا إلي «الدولة البوليسية»، فهي بالقطع ليست بمنأي عن التأثر بالاختلافات بين النظم الديكتاتورية الغبية وشقيقاتها الذكية، فهذه الأخيرة علي سبيل المثال تجتهد للحفاظ علي حدود دنيا من مراعاة «الشكل» الأصلي المتعارف عليه للمؤسسات، ومن ثم تجدها تبقي علي النفوذ والحضور البوليسيين فيها قويين ومحسوسين لكنهما محجوبان ومستتران خلف ديكورات متقنة وحازقة، أما الديكتاتوريات الجاهلة التي ينافس فسادها غباوتها وغشمها، فلا تكاد تحفل بأي قواعد أو أصول ولا تشغل نفسها باعتبارات «الزينة» ولا تهتم بتوفير ستر معقول لمخبريها وعسسها الأميين المبثوثين في كل مكان وأي مجال.. من معاهد ومراكز العلم والتعليم إلي الصحف والتليفزيونات، ومن أجهزة ومرافق العدالة ومؤسسات الاقتصاد والخدمات العامة إلي منابر الثقافة والفنون وخلافه!! وبعد.. هل لكل هذا الكلام أي علاقة شريفة بما جاء في السطرين الأولين اللذين استهل بهما عبد الله الفقير مقال اليوم؟! لو حضرتك فاضي من فضلك أعد قراءة المقال مرة أخري، فإذا لم تعرف الإجابة وحدك فاذهب لأقرب مركز شرطة وابحث هناك عن مخبر صديق تستعين به، أو.. بلغ عني «جهاز مباحث أمن المقالات» وريح دماغك.