مذهولا سمعت إسمى من الراديو بصوت من أعشقه " فؤاد المهندس" فى برنامجه الرائع كلمتين و بس.. مفاجأة لم أتوقعها .. مذهلة .. واصل الحكاية إني قبلها ذهبت بمقال للأهرام بعنوان" اشقاء الملائكة" كتبت فيه انى أعمل بمركز نقل الدم بقصر العينى .. وأن الأطفال مرضى الدم بمستشفى ابو الريش يموتون فعلا بسبب نقص الدم .. و أن تجار الدماء يربحون الملايين لكى يموت هؤلاء الملائكة و ينشرون الايدز و إلتهاب الكبد فى ظل غياب كامل للدولة .. قلت أن هؤلاء الأطفال هم مندوبين يرسلهم الله العظيم فى زيارة قصيرة لنا ليكتبوا تقريرهم عن أخلاقنا الوضيعة .. قلت ان الحل يأتى بمشروع كامل للإخاء بالدم بين شباب و فتيات مصر وهؤلاء الاطفال الملائكة .. و من يحب ان يكون شقيقا بالدم لملاك يأتى لنا فى بنك الدم .. و ذهبت به للأهرام و قابلت السيدة سهير عبد الوهاب فى مساء أحد أيام ديسمبر سنة 1988 و طلبت مقابلة الاستاذ /عبد الوهاب مطاوع فإعتذرت لأنى بدون موعد سابق .. بكل إندفاع الشباب –وقتها – صرخت في وجهها .. قولى له يبطل تمثيل دور الرجل الشريف....و فى صباح اليوم التالى فوجئت بالمقال منشورا فى صدر بريد الاهرام و تعليق من الراحل العظيم عبد الوهاب مطاوع: لقد نشرنا .. و ندعمك!! قتلنى الخجل و الحياءّ. و فى صباح اليوم التالى سمعت " فؤاد المهندس" يقرأ نص المقال فى كلمتين و بس.. و تعقيب من " احمد بهجت" ان هذه المقالة من طبيب شاب تستطيع ان تغير شكل شباب مصر .. أن يجد الشباب أشقاء من الملائكة يعطيهم الدم و يأخذ منهم الروح النقية و العطاء و حب الخير و الوطن ... هل اقسم إنى بكيت؟؟؟ ذهبت للقاء " احمد بهجت " فى عمارة الديوانية التى يملكها رمز آخر هو عبد الوهاب المسيري رحمه الله.. و من حسن حظى كان المصعد معطلا..لأكتشف أثناء صعودى أن كل دور به متحف يحمل سمات حضارة مصرية سابقة و كلما صعدت دورا ترى حضارة احدث .. انا فين؟؟؟ قابلنى " احمد بهجت " بروح لن استطيع ان اصفها و لن يعرفها إلا من قابله و يعرفه .. فى ثوانى تشعر انك فى بيتك و مع أب حقيقى .. إستمع الرجل لى بتركيز و ذهول.. أحكى له عن مأساة أطفالنا فى أبو الريش.. قال لى بعد أن إنتهيت .. انا مش مصدقك...قلت له و كيف تصدق؟؟ قال لابد أن أرى بعينى لكى اصدق هذا الذى تقول فهو مستحيل.. إتفقنا على نقوم بزيارة لأبو الريش و يرى و بالفعل صحبته إلى هناك و كان معى زميلى الدكتور طارق ابو العباس.. و شاهد الرجل مئات الاطفال مرضى الدم و هم فى طابور ينتظرون قطرات تعيدهم للحياة لأسبوع آخر.. فجأة وجدته يتزلزل .. يتصدع .. يكاد ينهار.. خر باكيا .. شعرت تجاهه بذنب عظيم ..و إحتضنته أهدئ من روعه .. و هو لا يكف عن سب نفسه بشتيمة فى منتهى القسوة .. كيف نترككم .. كيف نتركهم .. ماذا نكتب و ماذا نقول و هؤلاء فى هذا الهم؟ هل اقسم إنى بكيت"" كتب " احمد بهجت " عن ماحدث ليتضح بعدا سياسيا كنت اتوقعه لكن ليس بهذا الفجور.. إستدعانى الدكتور/ حسين كامل بهاء الدين مدير ابو الريش .. الذى اصبح وزيرا للتعليم فيما بعد.. و قال لى بالحرف لو ذكرت اسم ابو الريش فى اى مقال او لقاء تلفزيونى سأسحقك كحشرة... قلت له .. يا فندم معرفتى بتاريخ سيادتك تؤكد لى انك لو كنت قادرا ان تسحقنى ما إستدعيتنى لتحذرنى .. بل إنى أعتقد ان سيادتك تخشانى .. لأنى مع الحق .. و إنصرفت.. إدمنت زيارة " احمد بهجت " و إستمتعت بصحبته .. و رأيت إبنه محمد بهجت " صاحب القصيدة المشهورة .. واحد إتنين .. الجيش العربى فين.. تعلمت كثرا .. وضحكت كثيرا من روحه المرحه المبدعه .. من طيبة عميقة تشبه كل الفدادين الخضراء فى بلدنا.. ثم يأتى خبر رحيل " أحمد بهجت " .. لم أبك .. فمثله لا يموت ابدا .. و لكن كان لابد ان أكتب عن أحمد بهجت .. كلمتين و بس...