سيداتي وسادتي مساء الخير.. مِنْ بين الخطابات الكثيرة التي تصلني تعليقاً علي دعوتي للحب، خطاب من سيدة أو آنسة، لم تتفضل بذكر اسمها، تقول لي: «تحدثت كثيراً عن الحب في هذه الأيام.. صف لي قلبك، أهو كبير إلي هذا الحد؟، فكيف إذن يقوي جسدك النحيل علي عمله!! عجيب أن تدعو إلي الحب في مجتمع ينعدم فيه الحب.. انظر حولك.. مَنْ يستحق الحب؟ ماذا تري حولك إلا الحقد، والأنانية، والغيرة والكره!! لكم وددت الفرار من مجتمعنا هذا.. إنني أشعر أنني وحدي»!!. إن قلبي يا سيدتي ليس كبيراً، ليس أكبر من قلبك، وأنا مثلك أحس بالوحدة، وربما كان إحساسي بأنني وحيد أشد وأعنف من إحساسك، رغم كثرة من يحيطون بي.. ولكني أفضل في وحدتي أن أعيش مع الحب، من أن أعيش مع الحقد.. فالحقد يمزق صاحبه قبل أن يمزق غيره، والأنانية تعذب صاحبها أكثر مما تعذب الناس، والغل والكراهية يقضيان علي صاحبهما قبل أن يقضيا علي عدوه.. هل شعرت يوماً بالحقد علي إنسان؟ وهل جربت أن تنامي وهذا الشعور يملأ صدرك؟ إنك لن تنامي أبداً.. ستتقلبين طول الليل علي فراش من نار الأرق، وستستقبلين النهار برأس مصدع، ووجه ذابل، وعينين غائرتين، ونفس مصدودة.. ولن تضحكي أبداً، ولن تري شيئاً جميلاً حولك.. كل ذلك لأنك حقدت علي إنسان وكرهتيه.. أما هذا الإنسان الذي تحقدين عليه، فلن يهمه شيء من همك.. سينام ملء جفونه، ويستيقظ مرحاً معافي سعيداً بالحياة.. وأنتِ وحدكِ التي ستتحملين العذاب.. وأنتِ وحدكِ التي لن تنام.. وأنتِ وحدكِ التي ستفقدين شبابك وجمالك وعافيتك.. ومن أجل نفسك.. لا من أجل الناس.. أدعوك إلي الحب.. أدعوك إلي أن تعيشي في الحياة بقلب صافٍ، متسامح، غفور.. من أجل نفسك لا من أجل الناس حاولي أن تنسي أخطاء الناس وأحقاد الناس وأنا معك في أن مجتمعنا ينعدم فيه الحب، وهذا هو السبب في الدعوة إلي الحب.. ولو كان مجتمعنا يؤمن بالحب لما كان في حاجة إلي مثل هذه الدعوة.. ولو لم يكن العرب في الجاهلية كفاراً يعبدون الأوثان لما قامت دعوة الإسلام.. إن مجتمعنا ينعدم فيه الحب.. هذا صحيح.. ولكن رغم ذلك لا تحاولي الفرار منه، فإنكِ لن تستطيعي الفرار من المجتمع.. إنكِ قطعة منه، ملتصقة به، ولن يفّرقك عنه إلا الموت.. فبدل أن تفكري في الفرار، فكري في الحب.. حب الإنسانية، حب المجتمع.. وانظري إلي شرور الناس كأنها أخطاء أطفال.. أطفال سيكبرون يوماً ويكفرون عن شرورهم ويؤمنون معنا بالحب.. وتصبحي علي خير.. تصبحي علي حب!. من أرشيف الاستاذة نيرمين القويسني مديرة مكتبه وابنته الروحية