قبل عيد الحب بأيام صادفني رجل وامرأة من أغرب ما صادفت في حياتي! .. جاءني الرجل منذ أيام وطلب مقابلتي، ورفض أن ينصرف قبل أن أستقبله!! .. وقال لي إنه كان زميلي في سجن «وادي النطرون» وأنا دخلت سجوناً عديدة، لم يكن منها هذا السجن!! .. أصر علي أنني كنت معه في وادي النطرون ،ثم انتقلنا سويًا لسجن 440، وهو أيضا سجن لم أزره أو أقيم فيه في حياتي إلي الآن علي الأقل !! .. قلت للرجل بخجل : إنني لم أره قبل الآن!!ولم أكن يوما في سجن وادي النطرون أو 440 !! .. قال لي: يظهر إنك نسيت بعد مرور سبعة أعوام علي تلك الأيام الصعبة !! .. قلت: منذ سبعة أعوام - عام2003 - لم أكن معتقلا أصلا حيث اعتقلت في يناير 2005!! .. قال لي: ألا تذكر الشاويش فلان !والضابط فلان ! وفلان المسجون ! وفلان المأمور! .. وعلي سبيل التذكير بدأ الرجل يحكي باستفاضة لبعض الحضور -أمامي- ذكريات وبطولات مشتركة ووقائع طريفة وحزينة !! .. سألني الرجل بابتسامة عريضة :هل تذكرت ؟! قلت له: آسف، ذاكرتي لم تسعفني بعد!؟ .. قال: إذا كنت أنت نسيت هذا فلعلك لم تنس ذلك المبلغ الذي اقترضته منك عندما كان مقررا لي إجراء جراحة في السجن ،ولم يكن رصيد أماناتي يسمح بذلك ولم يكن أحداً من أسرتي يزورني فكلفت زوجتك بسداد خمسة آلاف جنيه في رصيد أماناتي في سجن وادي النطرون . .. قلت له: أقسم لك أنني لم أدخل في حياتي سجن وادي النطرون، لا زائراً ولا معتقلاً!! .. قال:إذا كنت لا ترغب في تذكر هذه الأيام ،فأنا لا أستطيع أن أنسي ديناً لك في رقبتي !! .. وأخرج الرجل مظروفا صغيرا ووضعه علي الطاولة وانطلق نحو الباب رافضا الاستجابة لرجائي له أن يبقي أو ينتظر أو يحمل مظروفه المغلق!! موقف آخر أدهشني أكثر. .. في اليوم التالي طلبت سيدة فاضلة -في منتصف العقد السادس من العمر -لقائي في مكتبي ،وقالت لي إنها كانت توكل مكتب والدي للمحاماة بالمنصورة في العديد من قضاياها الخاصة مع الإصلاح الزراعي . .. سألتني: هل صحيح ما نشر عن منعك من مزاولة مهنة المحاماة أو بيع ممتلكاتك ؟ قلت :نعم!! .. قالت:لكن هذا لا يمنع من أن تقدم استشارات قانونية لمن يحتاجها ؟ قلت :نعم!! فقالت :لديّ استشارة في شأن قضية أرغب في أن تقدم لي فيها نصيحتك القانونية. قلت :لا بأس!! .. روت لي السيدة باختصار وقائع القضية، وتركت لي ملفا ببعض الأوراق، ومظروفا مغلقا قدمته لي بوصفه أتعابا عن الاستشارة!! قضيت أياما أدرس الملف والأوراق وأدوّن ملاحظاتي حول بعض البيانات التي أريد الاطلاع عليها .. حاولت مرارا الاتصال بالسيدة الفاضلة لمساعدتي في الوصول إلي هذه البيانات إلا أن تليفونها الذي قدمته لي لا يجيب أبدا!! .. أرسلت زميلي «أسامة عبد المنعم» المحامي بمكتبي للاطلاع علي أوراق القضية واستخراج البيانات المطلوبة من محكمة المنصورة الابتدائية ،إلا أنه قال لي إن هذه القضية انتقلت منذ سنوات بعيدة إلي محكمة الاستئناف ،فطلبت منه مواصلة البحث في محكمة الاستئناف، إلا أنه بعد ساعات صدمني بمفاجأة أذهلتني ،عندما قال لي إن القضية حكم فيها نهائيا في الاستئناف والنقض لصالح هذه السيدة ونجلها منذ عام2000 أي منذ عشر سنوات!! .. لم أفهم سببا واضحا لما فعلته السيدة وقبلها زميلي الوهمي إلا منذ ساعات عندما روي لي زميل بالغد أنه تحدث منذ أيام في إحدي الفضائيات لما أتعرض له من تضييق غير مسبوق علي حقي في العمل أو التصرف في أموالي في محاولة لخنقي وقتلي بلا دم!! .. سألت زميلي بالغد : متي كان هذا اللقاء التليفزيوني؟!، فأشار إلي اليوم السابق لزيارة زميلي الوهمي وقبل يومين فقط من لقائي السيدة صاحبة القضية المنتهية!! .. سبحان الله .. الذي قد يكون حرمني في عيد الحب من حب بعض من أعرفهم وأحبهم لكنه وهبني حباً وتعاطفاً من أناس لا أعرفهم!! .. أحيانا يضعف إيماني بعظمة هذا الشعب ،وأحيانا يتضاعف إيماني به!! .. لا تحزن أبدا إذا وجدت قريبا، أو صديقا ،يدير ظهره لك، فالدنيا أوسع كثيرا مما نعتقد!! .. كم كنت أتمني أن أُكرم وأشكر هذا الرجل، وهذه السيدة في احتفال حزب الغد اليوم بعيد الحب ،ولم أعرف سبيلا للاتصال بهما !! آملاً في أن تصلهما سطوري هذه ،قبل موعد الاحتفال «الثامنة» مساء اليوم ،بمقر حزب الغد بميدان طلعت حرب!!.