مباشرة الحقوق السياسية لاي مواطن تتمثل ببساطة في شقين : الشق الاول هو حقة السياسي في التصويت و الانتخاب (كناخب) و الشق الثاني حقه السياسي في الترشح (كمرشح). وعلى مدي الثلاثين عاما السابقة كانت الحقوق السياسية للمصريين بالخارج بشقيها مهدرة تماما عن اصرار و تعمد . كيف لمن كان يزور الانتخابات بطريقة ممنهجة و مؤسسية ان يسمح ل10 ملايين مصري لا يستطيع التحكم فيهم ان يسمح لهم بالتصويت و ارباك الطبخة الانتخابية؟ توقع ملايين المصريين بعد الثورة و بعد ان صدقوا و صدقنا ان هناك ثورة و تفاعلوا معها و منهم من شاركوا فيها ان يكون هذا الموضوع على رأس اوليات اي حكومة بعد الثورة. وبدات المناشدات و المطالبات والمراسلات و الاجتماعات وصلت الى مظاهرات في اكثر من 40 دولة. و لم يحرك المجلس العسكري ساكنا. لم اقل الحكومة لاننا نعلم ان القرار ليس بيدها كما اعترف اكثر من مرة رئيس اللجنة العليا للانتخابات. ابسط شيء و اهم شيء كان من المفروض ان تقوم به الحكومة هو جمع معلومات دقيقة عن توزيع المصريين في الخارج و محل اقامتهم والحصول على معلومة غاية في الاهمية وهي نسبة الحاصلين على بطاقة رقم قومي و توزيعهم في كل دول العالم . هذه المعلومات هي الاساس الذي ممكن ان يبنى عليه اي حلول لوجستية و تشريعية وتقنية. ثم جاء حكم محكمة القضاء الاداري في توقيت غير متوقع أربك الجميع . هذا الحكم التاريخي عن حق و ليس مثل الخطابات التاريخية ايام النظام البائد قام بإلزام الحكومة المصرية بتمكين المصريين المقيمين بالخارج بالتصويت في الانتخابات المقبلة من خلال إنشاء لجان إنتخابية في السفارات المصرية حول لعالم للتصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات . تاريخ الحكم هو 25 اكتوير 2011 اي بعد شهر تقريبا من الانتهاء من كشوف الناخبين و غلق باب القيد في 27 سبتمبر و في اليوم التالي بدأ فتح باب الترشيح للقوائم و الفردي. ومن الطبيعي في اي انتخابات في العالم ان يتم تسجيل و قيد الناخبين اولا و غلق الباب في ميعاد محدد قبل فتح باب الترشيح ولا يعاد فتح القيد للناخبين مرة أخرى بعد ذلك تحت اي ظرف لأن معناه ارباك العملية الانتخابية برمتها. كما جاء تاريخ الحكم المحكمة ايضا بعد تاريخ اصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية الذي صدر في الجريدة الرسمية في سبتمبر ايضا.ترتب على ذلك ان اصبحت الحكومة في مأزق شديد حيث لا تستطيع الحكومة فتح باب القيد مرة أخرى للناخبين و لا الشروع في اضافة دوائر جديدة تمثل المصريين في الخارج. ولذلك اصبح لزاما على الحكومة ان تتعامل مع الواقع كما هو حيث ان اي تغيير او فتح باب لناخبين او مرشحين جدد من شانه تأجيل الانتخابات البرلمانية في ظروف بالغة الحساسية في تاريخ مصر بعد الثورة. الحل الذي يبدو متاحا في هذه الظروف هو اولا : حرمان المصريين في الخارج من نصف حقوقهم السياسية و هي الترشح وعدم تخصيص دوائر للمصريين في الخارج . وقد مكنت تونس لمواطتيها في الخارج هذا الحق حيث خصصت 18 مقعد عن ستة دوائر لمواطنيها في الخارج و ثانيا : قصر الكتلة التصويتية للمصريين في الخارج على الذين اصدروا بطاقات رقم قومي صدرت قبل 27 سبتمبر و هؤلاء نسبتهم و عددهم وتوزيعهم على الدول غير معروف. وبالتالي حرمان ملايين المصريين ممن لا يملكون بطاقات رقم قومي قبل هذا التاريخ من الانتخاب وهي نسبة تبدو كبيرة ومعهم جواز سفر فقط. ولهذا السبب قررت الحكومة الاعلان عن فتح باب التسجيل على موقع العليا للانتخابات بدءا من الخميس 10 نوفمبر و لمدة اسبوع فقط للمصريين في الخارج الذي لديهم بطاقة رقم قومي قبل 27/9 لتسكينهم في الدوائر الانتخابية المحلية و معرفة موطنهم الانتخابي في الخارج. وستكوت آليه الاقتراع اما بارسال قضاة او تفويض للسفارات و القنصليات او بالبريد مثل بعض الدول. ولكل آلية مشاكلها اللوجستية و التشريعية. موقف الحكومة في هذه القضية مثل موقف التلميذ المطيع الذي ترك احد المواد الدراسية منذ اول العام الدراسي لان والده طلب منه عدم الاهتمام بها ربما لان والده لايحب هذه المادة و كان دائم السقوط فيها عندما كان صغيرا !! ثم فجأة قررت المدرسة اجراء الامتحان بعد اسبوع في هذه المادة . فذهب الى والده الذي قال له يجب ان تدخل الامتحان طالما قررت المدرسة ذلك !! . فما كان من التلميذ الغلبان الذي ايقن انه لن يستطيع ان يلم المنهج في اسبوع ان يستعين بالملاحق و الملازم لكي ينجح و يجيب بنجاح على نصف الاسئلة على الاقل ! وفي رأيي الشخصي ان الحل الذي ستنفذه الحكومة سيكون حل مبتسر و غير كامل في كل الاحوال نظرا لضيق الوقت و لعدم التحضير لها مبكرا ولكن لننظر الى ربع الكوب المليان و هو دوران العجلة الى الامام ولن يستطيع احد ان يحول دون ممارسة حقهم الاصيل و الدستوري مرة أخرى و اتوقع مشاركة كاملة و كبيرة للمصريين في الخارج في انتخابات الرئاسة و الاستفاءات القادمة. لقد سقط نظام مبارك في هذه المادة لمدة ثلاثين عاما ليس بسبب عدم وجود كفاءات كانت قادرة داخل الحكومة و خارجها على تنفيذ ارقى الحلول العالمية لتصويت المصريين في الخارج ولكن بسبب غياب الارادة السياسية ! فهل ينجح النظام "الجديد" في الامتحان؟ اتمنى ان تكون التنيجة "مقبول" في الانتخابات البرلمانية و لكن بالتاكيد ستكون "جيد جدا" او "امتياز" في انتخابات الرئاسة و الاستفتاءات القادمة.