فخرج سيدي عبد الوهاب الشعراني في صلاة الفجر كي يبحث عن الرجل الذي سوف يجيب عن السؤال فلم يجد أمامه غير رجل يبيض النحاس. فتردد ونظر يمينا ويسارا لعله يجد رجلا غيره فلم يجد. فذهب إليه مبيض النحاس وقال له يا عبد الوهاب أعطني السؤال لكي أجيبك عنه حتي أنصرف. فأعطاه الورقة في ذهول فأجابه عنها كتابة. وهنا نري أن سيدي عبد الوهاب الشعراني نظر للرجل في البداية نظرة تنم عن التعالي كما نظر إليه في البداية سيدي أبي الحجر العسقلاني وهو جالس بجوار شيخه سيدي علي الخواص ونسي قول المصطفي صلي الله عليه وسلم: «رب أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره». فرجع بالورقة بعد أن تم الإجابة عنها إلي سيدي أبي الحجر العسقلاني وأعطاه إياها. فنظر فيها وقال: لابد لي أن أذهب إلي شيخك، فقال له سيدي عبد الوهاب الشعراني : قل لي ما هو السؤال وما هي الإجابة؟ فقال له: يا بني، إنني متزوج بفتاة تصغرني سنا واسمها زينب وحينما كنت أعود من الأزهر كانت تحكم علي أن تركب فوق ظهري وأمشي بها الي غرفة نومي. فقال سيدي عبد الوهاب الشعراني: هل هذا هو السؤال؟ قال له: لا. السؤال كان: لا يتخذ الله وليا جاهلا ،فكانت الإجابة، لقد اتخذه وعلمه يا جحش زينب. فكيف علم بأمري مع زوجتي؟ فرد عليه سيدي عبد الوهاب الشعراني قائلا : لابد لي أن آخذ لك إذنا بالذهاب إلي شيخي. وحينما ذهب إلي سيدي علي الخواص للاستئذان بموعد قال له: يأتي إلي عاري الرأس حافي القدمين من الأزهر. فعاد إليه وقال له ما قاله شيخه: فكان رد سيدي أبو الحجر العسقلاني: وإذا أراد أن أذهب زاحفا علي وجهي لفعلت. وذهب إليه. فكان طلب الشيخ سيدي علي الخواص لسيدي أبو الحجر العسقلاني أن يحرق جميع كتبه التي قام بتأليفها. فقام بالفعل وذهب لينفذ مطلب الشيخ. وحينما عاد مرة أخري إليه قال له: لقد حرقت الكتب. فقال له سيدي علي الخواص: لا لم تحرق جميع كتبك. فرد عليه سيدي أبو الحجر العسقلاني: هناك خمسة كتب لم أحرقها لأنني كتبتها بدمي من شدة حبي للكتابة. فقال له سيدي علي الخواص : اذهب واحرقها. فذهب بالفعل ليتمم ما قيل له. وبعد أن فرغ، أخذته سنة من النوم، فرأي المصطفي صلي الله عليه وسلم في المنام يعطيه كوبا من الماء ويقول له هذا من أجل طاعتك لشيخك ،فشرب، وحينما استيقظ من النوم ذهب إلي شيخه سيدي علي الخواص مبتهجا. وحينما دخل عليه، نظر إليه سيدي علي الخواص وقال له: يا بني اذهب وصل علي من علمك. وهنا نعلم أن المحب لمن يحب مطيع. فذهب سيدي أبو حجر العسقلاني وأخذ يكتب من جديد وكانت أولي كتاباته هذه القصة وتوالت الكتابات تحت راية المحبة لله ولرسول الله ولمن تبعه بإحسان إلي يوم الدين. فللحب شقان، الشق الجسدي والشق الروحي. فالشق الجسدي شق زائل، أما الشق الروحي فهو الذي يحدث الألفة في جميع الأشياء، بداية من الطاعة لله ولرسوله ونهاية بمحبة الخير لأخيك المسلم، والمسلم هنا هو كل من استسلم لله عز وجل علي ظهر هذه الأرض من كل الديانات. فإذا فعل يترقي إلي مرتبة الإيمان. وهنا يقول الرسول: «لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فالترقي لا يأتي من مرتبة الإسلام حتي يتعلم الأفعال لا الأقوال في محبة الخير لأخيه أيا كانت ديانته، فيرتقي إلي مرتبة الإيمان. فحينما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم «الأرواح جنود مجندة، ما تلاقي منها ائتلف وما تنافر منها اختلف». فروح الصالحين لا يتنافر منها أحد ولكنهم حينما يرونها متجلية في أجساد أصحابها يغيبون عن وعيهم، فيقطعون أيديهم كما صنعوا مع سيدنا يوسف حينما رأوه. فيقول رب العزة «فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم». فالروح هي التي تأتي بمحبة الآخرين ولكن لا تأتي إلا بطاعة الله وبتقوي الله. وحينما يحدث هذا للعبد تأتي إليه الفراسة، فراسة المؤمن الذي آمن بالله ورسوله وكتبه ورسله. فيقول عنه المصطفي «صلي الله عليه وسلم» «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه يري بنور الله». ونور الله هنا ليس بمعني بصره ولكن بمعني بصيرته. والبصيرة هنا، قال الله عز وجل عنها «إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور». إذا البصائر تأتي في القلوب. فحينما يتجلي فيها نور الله بقوله عز وجل: «ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن». ويشير إليه المصطفي «صلي الله عليه وسلم» بالبيت. فحينما يقول «الرسول»: «إذا رأيتم هوي متبعا وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فليسعك بيتك ولتبكي علي خطيئتك». وهنا الهوي المتبع يفرط الأمور كما يحدث من حولنا، فحينما يتبع الكبار أهواءهم من خلال تمسكهم بالدنيا، كان أمرهم فرطا. ويحضرني قولة رجل مسكين: دنيا التلاهي حازوها الملاهي تركوها كما هي. فننهل من نبع الهداية تارة ونكرع من فيض الهبات العلية.